اخر عشرة مواضيع :         :: لقاؤنا بالمويلحيين " الحلقة الثانية " (آخر رد :القلعة)       :: من وثائق الأشراف الوكلاء المويلحيين بالمويلح (آخر رد :القلعة)       :: الهوى غلاب (آخر رد :ابو فايز)       :: لها فز قلبي فزة الطير ابو جنحان (آخر رد :ابو فايز)       :: البقاء لله في فقيد المويلحيين (آخر رد :القلعة)       :: لمن يهمه الأمر(الأصل الأصيل في زرعات الوكيل) (آخر رد :الشريف مصعب بن علي الوكيل)       :: أهل المويلح مكملين المواجيب (آخر رد :وكيل المويلح)       :: سيرته مثل ريح البخور (آخر رد :وكيل المويلح)       :: عبدالله من سلاطين الرجال (آخر رد :وكيل المويلح)       :: حيّ الوكيل (آخر رد :وكيل المويلح)      
العودة   منتدى المويلح - Al-Muwaylih > الساحـــــــــات العامة > ساحة القلعة للوثائق
اسم العضو
كلمة المرور
الإهداءات

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-05-2010, 05:13 AM رقم المشاركة : 1 (permalink)





الشريف النموي غير متواجد حاليآ بالمنتدى

افتراضي أعيان القتادات يردّون أوهام إبراهيم الامير


أنزل موقع آل البيت هذا اليوم بياناً علمياً نفيساً ، رداً على أغاليط الأمير التي نشرها مؤخراً ، والتي أحدثت فتنة كنا في غنى عنها .. والآن أعيانٌ من القتادات يبينون أغاليط الأمير بأدب وعلم .. وكثير من الحلم !

والبيان كتبه وأعدّه :
الشريف شاكر بن ناصر بن مستور العبدلي الفعر
الشريف محمد بن حسيـن بن محمد الصمداني
الشريف عصام بن ناهض بن محسن الهجاري

وراجعه وقدّم له:
الشريف هزاع بن شاكر بن هزاع العبدلي
رئيس اللجنة الخاصة لضبط وتوثيق أنساب الأشراف
وشيخ الأشراف العبادلة ذوي حمود
د. الشريف حاتم بن عارف بن ناصر العبدلي العوني
عضو مجلس الشورى والأستاذ المشارك في الشريعة الإسلامية بجامعة أم القرى

والآن مع البيان العلمي ..

لتحميل البيان على صيغة بي دي أف .. أضغط على الرابط التالي :

http://alalbayt.com/uploads/2010/05/1212.pdf

بيان الأوهام والمغالطات التي أوردها إبراهيم الأمير في أصول نسب أشراف الحجاز

أولاً : مقدمة الشريف هزاع بن شاكر العبدلي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين… وبعد:

فقد اطلعت على هذا التصنيف النفيس الذي حرره الأخوة الفضلاء النسابون الكرام وهم:

1 ـ الشريف شاكر بن ناصر بن مستور الفعر العبدلي.

2 ـ الشريف محمد بن حسين بن محمد الصمداني.

3 ـ الشريف عصام بن ناهض بن محسن الهجاري.

والذي هو بعنوان «بيان الأوهام والمغالطات التي أوردها إبراهيم الأمير في أصول نسب أشراف الحجاز».

ورأيت فيه ما تضمنه من قوة علمية ومتانة وبراعة تأصيلية بما يدل على سعة علم واطلاع واسع ومدرك صحيح في أنساب آل البيت وفهم كلام العلماء فيها الفهم الصحيح وتنزيله كما قالوا وأرادوا وبمنهجية علمية متميزة وذلك في ردهم على ما أورده إبراهيم بن منصور الأمير وأثاره من شبهات وأوهام ومغالطات اختلقها بفهمه الضعيف في أصول نسب أشراف الحجاز.

والحق أن هذا التصنيف كان حجة دامغة في دحض ما أثاره الكاتب من شبهة اختلقها وفهم ابتدعه من فهمه القاصر وإدراكه الضعيف لكلام العلماء بما لم يسبق إليه في أمر كان أوضح ما يكون لو أعمل نظره فيه بفهم صحيح وحسن نية خاصة مع أصول نسبية شريفة لا نزاع ولا خلاف فيها البتة إلا لمن كان في قلبه دغل وريبة.

ومما يؤسف حقاً أن ضعف فهم الكاتب وشبهته هذه التي اختلقها وهو يزعم العلم والمعرفة والأمانة!!! تجنى بها ونسبها لعالم كبير كابن فندق البيهقي بما لم يقصد ويريد فاستشكل ما ليس بمشكل ونزل كلامه على غير مراده، بل وجراءته عليه في عدة مواضع بعبارات سيئة لا تليق بمن يدعي الانتساب للعلم وآدابه.

وإني في هذا المقام لأشكر الأخوة الفضلاء على ما خطته أناملهم في هذا التحرير العلمي المتين في نسب يضرب به المثل في الثبوت اليقيني، والذي احتفل العلماء بذكره في مصنفاتهم بين ذكره بتمامه، أو بذكر بعض أفراده، أو بالإشارة إلى أصله، أو فرعه سواء من النسابين أو المؤرخين أو المحدثين، بل أصبحت كثير من الأنساب تقاس به وعليه وكما هو الحال في كثير من الأنساب التي هي بمثل درجته في الثبوت، وما أجمل وأبلغ ما قاله الأخوة الفضلاء في هذا التصنيف من كلام بليغ يرد به على كل سفيه متطاول ومغرض لهذا النسب العريق وذلك ما نصه:

«لو كان هناك أدنى تشكيك في أصول نسب الشريف قتادة، لكان ذلك أهم ذريعة لخصوم وأعداء قتادة ممن نزع منهم الملك في إثارة ذلك التشكيك، كالشريف مكثر من الهواشم الذي نزع منه حكم مكة بالقتال، أو من صارعهم في بسط النفوذ على الحجاز كالسادة الأشراف من أمراء المدينة بني حسين.

ولكان ذلك التشكيك طريقاً سهلاً وفرصةً لا يصح أن تُفوَّت للنيل منه ولإسقاطه، وما كان ذلك متعذراً على خصومه ومنافسيه، ولو وقع شيء من ذلك لتناقلته كتب التاريخ والنسب، ولما جاز (بمقتضى العادة التي لا تتخلف في مثله) أن لا يُنقل إلينا، لأن قتادة ملك وزعيم كبير كان ذا أثر كبير في التاريخ، ودواعي خصومه الكثيرين (من أشراف الحجاز قبل غيرهم) في إضعافه أشد الدواعي، مع ما هم عليه من شدة اعتزاز بالنسب وعناية به وحماية له وأنفة كبيرة في الذود عن حياضه. فعدم كلام أحد منهم في إثارة الشك في نسبه: يدل دلالة قاطعة على أن نسب الشريف قتادة كان عندهم فوق أن يمكنهم النيل منه بتشكيك رخيص، وأنه لا أمل لعدو في أن يفكر بالتعرض له، لحصول الاتفاق التام على سلامة تلك الأصول في عمود نسب قتادة وشهرة سلامتها من أي خلل وشبهة، وأنه نسب به تُعرَف الأنساب وتُقاس، وتُصحَّحُ وتُصَوَّبُ، وليس العكس!

وابن فندق رجل صاحب جاه ووزارة وسلطة قضاء وشاع ذكره بين العلماء، واشتهر كتابه بين النسابين، فلو علم عنه ما فهمه الكاتب من فهم سقيم، لنقل عنه، وطار به خصوم قتادة وغيرهم، وللهجوا بذكره، سواء منهم المعاصرون لقتادة، وغيرهم من المتأخرين.

بل إن الحجاز ولاية عباسية في الأصل، ومعلوم قدرها لدى الخلافة العباسية، ثم ينتزعها قتادة من العباسيين، فلا نجد من الخليفة العباسي رغم تلك كله أيَّ تشكيكٍ أو إثارةِ شبهةٍ في نسبه، فضلاً عن طعن ببغي وافتراء، ولو كان هناك مجالٌ للتشكيك لكانت كل الدواعي تقتضي حصوله، كما حصل من خلفاء بني العباس مع الفاطميين العبيديين».

نعم فإن ما ذكروه حق ولا يرقى الشك لذراه ولا ينال بمثل ما أثاره الكاتب لعلاه، فقلمه وحاله أقل من أن يصل إلى منارة شموخه بين العلماء بأمر اختلقه ومقال ابتدعه، وبما لم يسبقه إليه أحد في هذه القرون المتطاولة وما فيها من جمهرة العلماء المتكاثرة حتى يفطن له هو من دونهم.

ولا ينفع الكاتب ظهوره فيما أثاره من شبهة بمظهر المدافع في أمر موهوم وفهم فاسد لم يوجد إلا في مخيلته وهو أوهى من بيت العنكبوت، فإنه قد أساء بما يسيء إليه هو نفسه.

فما قاله وفهمه مردود عليه لأنه فهم قاصر يدل على ضعف صاحبه العلمي وعدم إدراكه لمقاصد ومرادات العلماء فآفة العلم أن يحمله من لا يحسن فهمه، ورحم الله من قال:

وكم من عائبٍ قولاً صحيحاً *** وآفته من الفهم السقيم

وختاماً: فإني أنصح الكاتب أن يرجع عن منهجه هذا الذي يسير عليه فإن إثارة المشكلات التي تثير الفتنة قد تكررت فيه وكنت أظن أن ما صدر بحقه مؤخراً من حكمٍ قضائي([1]) ـ بمنعه من التصديق على المشجرات النسبية دفعاً لما تسبب فيه من فتن ونزاع وشحناء وضغائن بين الناس ـ قد جعله يعيد النظر في كثير مما يكتب. ولعلي هنا أذكره بالله أن يعمل على ما ينفع العلم ويجمع الكلمة لا بإثارة واختلاق المشكلات النسبية والقبلية وغيرها. فإن العلم زينة لمن عرف قدره وحقه والدين جمال لمن سار بآدابه وأصوله.

ولعل فيما كتبه الأخوة هنا خير ناصح له في تغيير ما هو فيه، وأن يسير على نهج قومه الهواشم الأمراء السادة آل فليتة فإنهم مجاورون لآل قتادة من القديم وما علم عنهم السير في ما يثير النزاع والخلاف بين آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا نظن إلا أنهم من أحرص الناس على اجتماع الكلمة ودفع كل ما يثير الفتنة، وأن يأخذوا على يد ابن عمهم بالبعد عن منهجه هذا الذي اتخذه فلعل نصيحة القريب تغني عن نصح كل بعيد.

هذا والله أسأل أن يجزي أصحاب هذا التصنيف عن جدهم الشريف قتادة بن إدريس الحسني وذريته وأهل بيت النبوة خير الجزاء فإنهم قد كتبوا فأحسنوا وبينوا فأوضحوا وأصلوا فأتقنوا فلله درهم وعند الله ثوابهم.

وصلى الله على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

بقلم

الشريف هزاع بن شاكر العبدلي

رئيس اللجنة الخاصة

لضبط وتوثيق أنساب الأشراف

في 1/5/1431هـ


ثانياً : مقدمة الشريف حاتم بن عارف العوني

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده.

أما بعد:

فقد اطلعت على البيان العلمي الرصين المعنون بـ(بيان الأوهام والمغالطات التي أوردها إبراهيم الأمير في أصول نسب أشراف الحجاز)، والذي كتبه السادة النسابون الشريف عصام بن ناهض بن محسن الهجاري، والشريف شاكر بن ناصر بن مستور الفعر العبدلي، والشريف محمد بن حسين بن محمد الصمداني، فوجدته بياناً واضحاً صادقاً مؤيّداً بالحجج والبراهين. وهو كافٍ بنفسه في بيان الخطأ الفادح الذي وقع فيه إبراهيم الأمير المردود عليه، ولا يحتاج هذا البيان منهم إلا أن يُنشر، ليقرأه طلبة العلم والمعتنون بأنساب آل البيت، ليجدوا فيه: العلم، والحجة الناصعة، والأدب الجم، والحزم في موضع الحزم، وحسن النية في موضعها. وليجدوا فيه: كيف خلط إبراهيم الأمير في مقاله، وكيف خرج عن مدلول كلام العلماء، حتى توهّم وأوهم حصولَ خلافٍ من أحد علماء النسب في أمر مجمع عليه ولا اختلاف فيه.

وكنت أرجو من إبراهيم الأمير، عندما توهم ما توهّم، أن يستعين بشيوخه من النسابين ومن هم أدرى بالنسب وبفهم كلام العلماء منه، فلا يدخل في تحمّل تبعة هذا الخلط، وهي تبعةٌ ثقيلةٌ في الدنيا والآخرة.

فهل يجهل إبراهيم الأمير أن الغالبية العظمى من أشراف الحجاز هم قتاديون (من ذرية الشريف قتادة بن إدريس بن مطاعن)؟ فكيف تصوّر أنه يمكن أن يخالف أحدُ النسابين في نسبه؟! ثم كيف تسكت القرون والأجيال والخصوم والنسابون في أقطار الأرض عن ذكر هذا الخلاف المزعوم، لو كان قد وقع حقّاً، حتى يكتشفه من لا يحسن فهم كلام العلماء؟!! كما أثبته هذا البيان الناصع الحجة والبرهان.

وليس من الفضيلة في شيء أن يجعل أحدٌ أمراً يقينيّاً بالتواتر والاستفاضة (لا خلاف فيه ولا نزاع) أمراً ظنياً، يحتاج إلى من يثبتـه بالأدلة الظنيـة. بل من أوهـم أن اليقينيَّ ظنيٌّ بمثل هذا التصرّف السيئ يستحق الزجر والتأديب؛ لأنه لم يُنزل الحقائقَ منزلتها؛ ولأنه سيكون سبباً في تجرؤ الشُّكّاك والموتورين والسفهاء. وهذا ما فعله إبراهيم الأمير، عندما ادعى الدفاع عن نسب قتادة، باختراع خلافٍ في نسبه لا وجودَ له، ثم انبرى للرد على اختراعه! هلّا ترك مخترعاته والردَّ عليها، كما فعل في نسب الإمام الشافعي أيضاً!

وهنا: أدعو إبراهيم الأمير بتقوى الله عز وجل، وأن يعلم أن الذي قسم الأرزاق والأعمار قد قسم الأنساب أيضاً، وأن الأنساب الصحيحة مراتب، وهي صحيحة لا شك فيها، فلا يظنن أن تصرفه هذا سيجعل الأنسابَ مرتبةً واحدة، فستبقى متفاوتة المراتب ما بقي الليل والنهار، وهي سنة لا تتخلّف. ولن يجني من يحاول جعلها على منزلة واحدة إلا الجناية على نفسه، بتكثير الخصوم، وتوجيه الطعون، وبعقوبة الله تعالى يوم الدين؛ لأنه حاد عن سبيل الحق المبين.

كما أذكِّرُ إبراهيم الأمير بأن الرجوع للحق خير وأكرم وأولى بنصر الله وتأييده من الإصرار على الباطل، وسيجدنا أول ناصريه إن رجع عن هذا النهج الذي بدأ يسلكه في محاولة المساواة في مراتب الصحة والثبوت للأنساب الصحيحة الثابتة؛ فقد جعل الله لكل شيء قدراً، ولا يضير صاحب النسب الصحيح أن يكون غيره أقوى أدلةً على ثبوت نسبه منه؛ إذا ما رضي الإنصافَ من نفسه، وأعطى كل ذي حق حقّه. كما لم يضرّ الإمام مسلماً وصحيحَه أن يكون تالياً للبخاري وصحيحه في الصحة؛ أقول هذا، وأضرب هذا المثل، لما أعلمه من إبراهيم الأمير (بارك الله له في العلم والعمل) من حبٍّ للسنة وعلومها.

فإن قَبِلَ نصيحةَ المشفقين عليه، وهو الأولى به؛ وإلا فسيكون من أشأمِ رجلٍ على قومه. ثم لن يقدر إبراهيم الأمير بعدها أن يغيّر شيئاً من الحقائق، ولا أن يشكك في الأنساب المتواترة، ولا أن يختلق معارك لا وجود لها. وأقول كما قال الإخوة الفضلاء في ردهم عليه: «لولا أننا لسنا نريد أن ندخل في النيات، بل نريد أن نحسّن الظن قدر المستطاع، لكان لنا (وربما لآل قتادة كلهم) منه موقف آخر يناسب ذلك الإيماء والتلميح! لكننا نكتفي الآن ببيان سقطاته وتخـبُّـطاته، ونحملها على أحسن المحامل، وهي أنها وقعت منه بجهل، ودون تعمّد».

وهنا أدعو إخواننا السادة الكرماء من الأشراف الهواشم أن يعينوا ابنهم إبراهيم الأمير على نفسه، وأن ينصحوه بترك التطاول على الأنساب التي لا يطالها، كأنساب أبناء عمومتهم القتاديين وغيرهم. وهم من شرف النسب وشرف العمل بالمنزلة التي لا تسمح لهم بالسكوت عن مثل هذا التخليط الذي وقع من ابنهم، بل تالله إن ابنهم لهو ابننا، ولا نرضى لهم إلا ما نرضاه على أنفسنا.

وأشكر الإخوة الفضلاء على هذا الرد العلمي الرصين، الذي سيجعل من كان يحب أن يُردِّدَ مخترعات إبراهيم الأمير خَجِلاً من ترديدها، لا يستطيع أن يتفوه بها، مهما كان يظنه فيها من ملجأ له يُنفِّسُ به عن أحقادِ موتورٍ مطعونٍ في نسبه لآل البيت، ومهما فرح به الحاسدون الذين لا يجدون ما يخفّفُ عليهم آلامَ حسدهم بالطعن والتشكيك. فكم قد ذبَّ القتاديّون وأمثالُهم من أهل النسب الصريح والأعمدة النسبية اليقينية عن هذا النسب الشريف، فنفوا عنه أنساباً مكذوبة، وبيّنوا صحة أنسابٍ بُغي عليها بالطعن والتشكيك، وكم فضحوا من ادّعاءات المدّعين، ممن كانوا قد ظنوا أنهم سيجدون في كلام إبراهيم الأمير متنفّساً لهم عن أحقادهم، فجاء هذا الردّ شافياً للعِلّة، راوياً للغُلّة، منقذاً من التردّي في كبيرة الطعن في الأنساب، رافعاً للنسب اليقيني فوق كل شك وارتياب. فبيّضَ الله وجوههم، وشفّع فيهم جدّهم صلى الله عليه وآله وسلم.

هذا.. وليس هذا الرد والتقديم؛ إلا إحقاقاً لحق النسب الصريح. وأبرأ إلى الله تعالى من تعالٍ بهذا النسب على عباد الله تعالى، ولا أن أظن نسباً مغنياً عن عمل. فـ«من بطّأ به عمله، لم يسرع به نسبه»، و«إن أكرمكم عند الله أتقاكم».

والحمد لله ذي الجلال، والصلاة والسلام على رسول الله وأزواجه والآل.

وكتب

د/الشريف حاتم بن عارف العوني

عضو مجلس الشورى

في 27/4/1431هـ


ثالثاً : نص البيان العلمي

الحمد لله الذي خلق من الماء بشراً، فجعله نسباً، وصهراً، ورفع بعض الأنام على بعض فصيره أفخم قدراً، وأعظم ذكراً، وأحل نبيه محمداً المختار من شريف النسب في المجد الصراح، واصطفاه للإيثار بمنيف الحسب وسرة البطاح، وأطلع شمس فخره في أفق العلى ساطعة الشعاع، ووصل حسبه ونسبه إلى يوم القيامة بعدم الانقطاع، فهو أكرم البرية نفساً وآلاً، وأفضلها حالاً ومآلاً، وأتم العالم جمالاً، وأكمله تفصيلاً وإجمالا، فصلِّ اللهم عليه صلاة تجاري سابق فخره، وتباري باسق قدره، وعلى آله المتفرعين من دوحة نبوته، المترفعين إلى ذروة الشرف بمنحة نبوته، وعلى أصحابه المغترفين من شرب العناية، المعترفين بنشر القبول من مهب الرعاية، ما أضحك مدمع السحاب ثغور الروض، واتصل حبلا العترة والكتاب حتى يردا الحوض عليه صلى الله عليه وآله وسلم… وبعد:

فإن العناية بأنساب آل البيت النبوي، وخاصة آل أبي طالب من ولد الحسن والحسين ابني علي رضي الله عنهم، وأعقابهم، وذرياتهم كانت محل اهتمام العلماء، والنسابة، والمؤرخين.

وقد بذلوا جهوداً عظيمة في جمعها، وتدوينها، وضبطها، وتحريرها، وتحملوا في سبيل ذلك المشاق، وعناء الرحلات، فجمعوا ما تفرق منها وتباعد في الديار أو التصانيف، وتركوا لنا تراثاً خالداً فريداً متنوعاً بمختلف أساليب التدوين والتصنيف، حتى قال بعضهم: «ولقد تفنن علماء النسب في كيفية التدوين، والضبط، ولهم في ذلك أصول، وقواعد، وشروط كما أن لهم مصطلحات خاصة يجهلها أكثر الباحثين اليوم لبعدهم عن أصول الفن».

ولذا كان حرياً بمن جاء بعدهم أن يحفظ لهؤلاء العلماء الذين تركوا لنا ثروة علمية عظيمة في أنساب الطالبيين والهاشميين مكانتهم، وأن يعرف عظيم حقهم بالرعاية والعناية لما تركوا، واحترام مقامهم، وإجلالهم، والأمانة معهم في نقل ما ذكروا وفق المنهج العلمي الصحيح، كما قرروه، وبدون تمحُّلٍ واعتساف في تحميل كلامهم ما لا يحتمل، وإخراجه وتنزيله على غير مرادهم.

وكذلك مما يراعى في حقهم التجاوز عن خطأهم وزلاتهم، وحملها على أحسن المحامل، وتأويل ما ذكروا التأويل السائغ الحسن، من غبر تشنيع وتشغيب عليهم؛ فإن لأهل العلم علينا حقّاً من الأدب ثقيلاً، وواجباً من الإجلال جليلاً.

وليس لنا ونحن من كنا عالة عليهم في ما دونوا وصنفوا أن نتناولهم بقبيح القول، أو بسوء الظن، سواء كان ذلك فيما يخصّنا، أو يخصُّ غيرنا، أو كان مما هوته النفس، أو لم تهوه.

فإن الحق أحق أن يتبع، ولكن بالأصول العلمية، والآداب المرعية، وحسن الظن، والتأويل الحسن.

ولهذا فإن ما دعانا لتحرير هذا الـمُقيَّد الـمُقيِّد، ما نُشر مؤخراً من مقال بعنوان: «وقفة مع كتاب لباب الأنساب والألقاب والأعقاب». لكاتبه: إبراهيم بن منصور الأمير. الذي جانب فيه الصواب وحاد عن الإنصاف في كثير مما نقده، وتأول فيه كلام مؤلفه بفهمٍ ضعيفٍ قاصرٍ، وبتأويلات غير سائغة، أنزل فيه عباراته في غير محالّها؛ مما جعله لدى أهل الفهم والإنصاف محلَّ الاستغراب والتساؤل!!! لأن تلك العبارات لم تكن عسيرة الفهم، ولا عويصة اللفظ، بل هي واضحة المقصود، لمن عرف أصول هذا الفن ومصطلحاته وقواعده، وراعى آدابه في كيفية التعامل مع مقالات وكتب العلماء بالفهم الصحيح، والتفسير القوي الحسن.

وذلك في محاولته تحميل وتنزيل عبارات العلامة ابن فُنْدُق البيهقي ـ رحمه الله ـ في كتابه «لباب الأنساب والألقاب والأعقاب» في غير محلها ومراد صاحبها.

ومن ذلك ادّعاؤه أن ابن فندق عندما قال: «عبد الله بن محمد بن موسى الثاني لا عقب له بالاتفاق»، أنه يقصد بذلك: عبد الله الأكبر بن محمد الأكبر بن موسى الثاني جد آل قتادة.

ثم أتمّ فهمَه الخاطئ بادعائه أن ابن فندق البيهقي قد تناقض عندما قال: «محمد بن موسى بن عبد الله بن موسى الجون، كان له عقب بالتمام، ثم انقرضوا»، وأنه قصد بكلامه هذا: محمد الأكبر بن موسى الثاني جد آل قتادة.

وهذا الفهم والتنزيل لكلام العلامة ابن فندق مما لم يقصده ابن فندق البتة، وإنما هو سوء فهم قاصر ضعيف، وخلل في تناول كلام العلماء اعترى الأخ الكاتب في فهمه وتنزيله للكلام الواضح البين من ابن فندق، جعله يضع كلامه في غير محله، ويحمله على غير مراده. فابن فندق كان يتحدث في تلك العبارات عن أشخاص آخرين غير أجداد آل قتادة، كما سيأتي بيانه بجلاء، ولم يخالف فيها العلامةُ ابن فندق غيره من علماء النسب، لا كما زعم الكاتب حسب فهمه الخاطئ، حيث حاسب العلامة ابن فندق على أوهامه هو وتخيلاته لا على كلام العلامة ومراده الواضح «عفا الله عنه».

والعجيب أنه لمحاولة تقرير هذه الشبهة حشد لها الكاتبُ الأقوال العديدة لجمهرة من علماء النسب والتاريخ؛ وهو حشدٌ جيدٌ، يؤكّد عدم وجود خلاف في نسب آل قتادة؛ ولكن غير الجيد في هذا الحشد للأقوال أنه لا داعي لها في هذا السياق؛ لأنه لا نزاع في هذه المسألة البتةَ، فأراد الكاتبُ إظهار تلك الأقوال وأصحابها من العلماء وكأنهم مخالفون لابن فندق، وكأنه قد شذ بقوله عنهم!! والواقع أن هذا الاختلاف المدعى من الكاتب (عفا الله عنه) بين ابن فندق وجميع علماء النسب عداه اختلافٌ لا وجود له إلا في مخيلة وفهم الكاتب وحده «عفا الله عنه»، وحاشا ابن فندق أن يخالف إجماع علماء النسب.

ورحم الله المتنبي إذ قال:

وكم من عائب قولاً صحيحاً **** وآفته من الفهم السقيـم

إضافة إلى ما حواه المقال من أخطاء أخرى، وجرأة وقسوة على مقام النسابة العلامة أبي الحسن علي بن أبي القاسم زيد البيهقي الشهير بابن فندق، بما لا يليق صدوره من طالب علم، أو مريد للمعرفة؛ إذ كان الواجب تحري الأدب معه ورعاية منزلته بما يُراعَى به العلماء الذين خدموا هذا العلم والنسب الشريف، ورحم الله النسابة ابن عنبة الداودي الحسني الذي أشار إلى فضلهم، وجهودهم؛ حيث قال في مقدمة «عمدة الطالب» ص36: «هذه بيوتات العلوية العارية عن العار متوافرة، وقبائل الفاطمية الطاهرة عن الغبار متكاثرة، قد قام بتصحيح اتصالهم في كل زمان علامون من الأمة، ونهض بتنقيح حالاتهم في كل أوان فهامون من الأئمة».

ولنا مع هذه الوقفة التي أسرف فيها كاتبها على ابن فندق وقفات عدة لتحرير ما وقع فيها من أوهام وأخطاء وخلطٍ واضح وسوء فهمٍ فاسدٍ في كثير مما كتب، وبما يؤول إلى تعريض مسلمات مقررة، وأُصولٍ متفق عليها في أنساب آل البيت إلى ادّعاء وجود خلافٍ فيها من قبل المغرضين والجهلة السفهاء.

وهو بهذا يسنُّ سنةً سيئةً: تقوم على أحد منهجين:

ـ إما على إثارة أقوال باطلة، مثل القول الباطل في التشكيك في نسب الإمام الشافعي ـ عليه رحمة الله ـ، الذي أثاره هذا الكاتب، ثم أخذ يردّ عليه؛ وكأنه قولٌ يستحق المناقشة أو الالتفات إليه. فقد طبع كتاباً من تأليفه باسم (إتحاف الأمة بصحة قرشية الإمام فقيه الأمة), حول نسب الإمام الشافعي! ولا ندري ما الذي أتحف الكاتبُ به الأمةَ التي تعرف الإمام الشافعي بقرشيته، كما تعرف الإمام الشافعي؟!! ولم يقدّم كتابُه من جديد في ذلك؛ إلا تبرّعه بتأليف مفرَدٍ أَشْهَرَ فيه قولاً ساقطاً مغموراً في التشكيك في نسبه!([2]) ما كان يستحق أكثر من ردٍّ عارضٍ مغمورٍ في بطن كتاب، ليس مفرَداً بالتأليف، ولا مُشهِراً لما لا يستحقُّ الإشهار، وهذا ما وفَّى به العلامةُ المعلمي (رحمه الله) في كتابه (التنكيل)، فكفى وشفى([3]).

ـ وإما بادّعاء وجود خلاف في أحد أصول أعمدة النسب المتواترة، ثم يتبرّع هو بالدفاع عنها، وهي غنيّةٌ بتواترها وثبوتها عن دفاعه، هذا لو كان هناك أحدٌ قد خالف فيها، فكيف إذا لم يكن هناك خلافٌ أصلاً, وإنما جاء توهّمُ وجوده من فهمه الخاطئ لعبارة أحد العلماء.

إن مثل هذه السنة السيئة لن تثمر خيراً، وهي كمن عمد إلى الشمس في رابعة النهار يجمع الأدلة على وجودها!! فلن يجد في الأدلة إلا ما هو أضعف من وجود الشمس. وهذه السنة السيئة ستؤدي به في النهاية إلى فسادِ التصور وخللٍ في التفكير، على حدِّ القول الحكيم القائل:

وليس يصحُّ في الأذهان شيءٌ إذا احـتاج النهـار إلى دليل


وإليكم تحرير ما وقع لهذا الكاتب في كلامه من الأوهام والتأويلات الفاسدة لكلام العلامة النسابة ابن فُندق البيهقي «رحمه الله»، وسنذكر ذلك في وقفات:


الوقفة الأولى

إن لعلماء أنساب الطالبيين ـ كما تقدم ـ فضلاً عظيماً في تدوين هذا الفن، وفي تأصيل هذا العلم، الذي يوجب علينا العناية بقراءة ما كتبوا، وفَهْمِه الفهم الصحيح، بدلاً من التسرع والمجازفة بالتطاول عليهم بالألفاظ القاسية، خاصةً ممن هو عالة على ما كتبوا وصنفوا، بنحو ما ذكر الكاتب من عبارات أطلقها في حق ابن فندق بسبب عدم فَهْمِه الفهم الصحيح لكثير مما أورده، مثل قوله: «أوهام وشذ، وخالف، والدليل على شذوذه، وأخطأ… خطأ فاحشاً، ومخالفته لاتفاق العلماء، والتسرع في النفي، وهذه آفة عظيمة، بل ناقض نفسه، وناقض نفسه، وخالف إجماع علماء النسب».

ثم وضع عنواناً لتلك الـجرأة بقوله: «مجازفات ابن فندق…» وغير ذلك مما ذكره الكاتب، فإن مثل ما ذكر لا يليق في حق علماء أعلام بمقام ومكان العلامة النسابة أبي الحسن علي ابن أبي القاسم بن زيد المعروف بابن فندق البيهقي، الذي قدم لعلم النسب النبوي خدمة جليلة، بما تركه من آثار فيه، ومنها كتابه ومصنفه الجليل «لباب الأنساب والألقاب والأعقاب»، الذي قال فيه وفي وصفه صاحب مقدمة «لباب الأنساب» النسخة المطبوعة ما نصه: «ومن أهم ما ألف في هذا الشأن وأجداها وأنفعها ها هو كتاب «لباب الأنساب والألقاب والأعقاب» للعلامة في جل العلوم الشيخ حجة الدين أبو الحسن علي بن أبي القاسم البيهقي المتوفى سنة خمس وستين وخمسمائة (565هـ)، فإنه جمع وأوعى فيه فوائد لا توجد في غيره، وهي منحصرة به، فلله دره وعليه أجره… فجاء بحمد الله كتاباً وحيداً في بابه تأليفاً… إماماً على أقرانه في محرابه».

وقال في موضع آخر: «وشرع في تأليف هذا الكتاب بأمر الشريف الجليل السيد أبو الحسن علي بن محمد بن يحيى العلوي بعد الاستخارة من الله الكريم في جمادى الآخرة سنة 558هـ وفرغ في تنسيق المجلد الأول منه في رمضان هذه السنة، واستفاد في تنظيم هذا الكتاب وفوائده من النسابة النبيل علي بن الحسن ابن المطهر. وقال ـ أي ابن فندق ـ في موضع من هذا الكتاب: أنه لو لم يكن هذا النسابة المذكور وتأليفه لما درى أحد من العلويين نسبه لما حلت بنيسابور من المصائب، وإحراق المكاتب، وإبادة خزائن الكتب. وقال أيضاً: أنه لو لم يكن آثار هذا السيد الحبر المحيط وكتبه لم يتيسر لي تأليف «اللباب». وغيرها من الكتب، والرسائل مما ترشحت من قلمه المجيد». انتهى.

وقائل هذا الثناء في ابن فندق قد أثنى عليه الكاتب إبراهيم الأمير في مقدمة كتابه «الأشراف في معرفة المعتنين بتدوين أنساب الأشراف» ص16 حيث قال: «هو من أفضل من ذكر ودون كتب الأنساب فيما أعلم التي اعتنت بأنساب آل البيت فإنه وقف على كثير منها فأتحفنا بذكر ما تحتويه من أنساب وفوائد…».

فما تقدم من قبل في الثناء على ابن فندق وكتابهِ كلامُ من يعتبره الكاتبُ من أفضل من ذكرَ ودوَّنَ كتب أنساب آل البيت!!!

ومن تأمل حياة المصنف وآثاره العلمية عرف له فضله ومكانته، وأجلّه واحترمه، نظير جهوده وما قدم, فتاريخه حافل بالتصنيف في مختلف الفنون، حتى قال فيه العماد الأصفهاني في كتابه «خريدة القصر وجريدة العصر» 2/98: «من أفاضل خراسان وأماثل الزمان وأعيان الأنام وأعوان الكرام وأجواد الورى وأطواد النهى جامع الشرف والحسن وجالي السدف بالسَّناءِ والسَّنا… وكان والدي يثني عليه فضله ويقول: إنه لم ينظر قط إلى نظيره، ولا مثلت لعينه عين مثله»، وقال عنه الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء 20/585: «الوزير العلامة ذو التصانيف..». وقد ذكر غير واحد من الباحثين والمحققين أنه من علماء أهل السنة، لا كما يتوهم البعض. وعدّدَ مؤلفاتِه وتصانيفه من المتقدمين ياقوتُ الحموي في معجم الأدباء 7/225-227 فبلغت نحو: أربعة وسبعين مؤلفاً. ومن المتأخرين خير الدين الزركلي في الأعلام 4/290: حيث ذكر له أربعة وسبعين مؤلفاً. وأحصى له أسعد الطيب محقق كتاب ابن فندق معارج نهج البلاغة في مقدمته له: ثلاثةً وثمانين مؤلفاً، ومن جملتها كتاب: «لباب الأنساب والألقاب والأعقاب».

والحق أن كتاب «اللباب» هذا يعتبر درة فريدة في التصنيف في علم النسب، فلم يُسبق ابنُ فندق إلى مثله، بأسلوبه المتميز، الجامع بين تدوين الأنساب والأعقاب والعناية بالألقاب، مع ما تضمنه من مباحث علمية نفيسة، مما له تعلق بالكتاب والسنة، وبعض الأحكام المتعلقة بآل البيت، ومسائل وآداب في النسب الشريف.

وللأسف الشديد أن هذا السفر النفيس «لباب الأنساب والألقاب والأعقاب» وصل إلينا ناقصاً، إضافة إلى ذلك أنه طُبع طبعة سيئة سقيمة ولم يفت محقق كتاب ابن فندق معارج نهج البلاغة الأستاذ أسعد الطيب في مقدمة تحقيقه ص51 أن يشير إلى هذا الأمر بقوله: «لباب الأنساب… ألفه في بيهق، بإيعاز من نقيبها عماد الدين أبي الحسن علي بن محمد يحيى آل زبارة الحسيني. ألفه في ثلاثة أشهر، حيث بدأ بتصنيفه في أواخر جمادى الآخرة سنة 558هـ، وفرغ من المجلد الأول منه في شهر رمضان من السنة نفسها. ذكره المؤلف في تاريخ بيهق. وصلنا منه المجلد الأول، ولا نعلم هل صنف المجلد الثاني منه وأتم الكتاب أم لا. وقد أحال فيه ص624 إلى المجلد الثاني. والموجود من مخطوطاته كلها المجلد الأول وحده. طبع في قم سنة 1410هـ في جزأين من مطبوعات المكتبة المرعشية، وهي طبعة سقيمة مشوهة».

وأشار إلى ذلك أيضاً عبد العزيز الطباطبائي في مجلة «تراثنا» في الجزء 37 صفحة 167 بتقييم دقيق فقال: «طبع في قم سنة 1410هـ لأول مرة من مطبوعات مكتبة المرعشي في جزأين، طبعة سقيمة مشوهة ملؤها أخطاء، والذنب للناسخين السّابقين، فقد كانوا بعيدين عن علم الأنساب، جاهلينَ بمصطلحاته، فحرفوا وصحفوا. قيّض الله محققاً عالماً بالأنساب، خبيراً بمصطلحاتهِ، عارفاً باللغة العربية وكناياتها ومجازاتها، أديباً بارعاً يجيد التحقيق، يُحيي هذا الكتاب وينقذهُ ممّا مني به هذه المدة».

وهذا التنبيه على أخطاء الكتاب في مطبوعته وفي أصلها الخطّي مدعاةٌ لإعادة تحقيق نصه، كما أنه أيضاً مدعاةٌ إلى عدم التسرع في محاكمة المؤلف من خلال هذه النسخة المشوهة، وإلى وجوب مزيد من التثبّت قبل تخطيئه، إذا ظهر لنا فيها خطأ، خاصة إذا كان خطأً قبيحاً يُنزّه عن مثله العلماء. فكيف إذا لم يقع له خطأ أصلاً، فنُسب إليه الخطأ القبيح؟!!

فكان الواجب على كل مستفيد من طبعة كتاب ابن فندق أن يراعي عدم وقوفه على نسخة المخطوط الأصلية للنظر في بعض ما أورده المصنف، للتأكد من خلو طبعته من التحريف والتصحيف، أو الزيادة والنقص، أو التقديم والتأخير، مما تتغير بها المعاني أو تختلف به اللغات، وغير ذلك مما لا يخفى على أهل التحقيق، فضلاً عن واجب التأويل الحسن لها، وحملها على أحسن المحامل، بدلاً من استنطاق العلماء ما لم يقولوا وتفسيرِ كلامهم على غير ما أرادوا. مع القسوة والشدة والغلظة عليهم، التي ليست من سيما أهل العلم وطلبته، الذين يحملون كلام العلماء على أحسن المحامل، بروح الاعتذار والتأويل، بما يجمع ولا يفرق، ويقرب ولا يبعد. ولو أننا وقعنا وقسونا على كل واحد يقع منه الزلل على حد ما في هذه النسخة السقيمة لما بقي أحد.
 





  رد مع اقتباس
قديم 05-05-2010, 05:15 AM رقم المشاركة : 2 (permalink)





الشريف النموي غير متواجد حاليآ بالمنتدى

افتراضي

قال الشاطبي في الموافقات ص4/170: «إن زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة، ولا الأخذ بها تقليداً له.. كما أنه لا ينبغي أن ينسب صاحبها إلى التقصير، ولا يشنع عليه بها، ولا ينتقص من أجلها، أو يعتقد فيه الإقدام على المخالفة بحتاً، فإن هذا كله خلاف ما تقتضي رتبته في الدين».



الوقفة الثانية

ذكر الكاتب أن دافع كتابته لهذا المقال هو ما طرأ بسبب كلام ابن فندق من التشكيك في نسب أشراف أهل الحجاز من أهل الأهواء على نحو ما ذكر، الذي سبّب استياء بعض من لا علاقة له بنسب الأشراف، ممن ليس منهم، ولا يعتبر قوله ورأيه فيها. وهو بهذه المقدمة يثير قضية حساسة، لا وجود لها إلا في مخيلة الكاتب وصاحبه الذي ساءه بما لم يُعْلمْ على مر التاريخ إلى زماننا. حيث إنه لم يُعرف أحدٌ من العلماء أو المؤرخين أو النسابين شكك في أنساب أشراف الحجاز، وخاصة آل قتادة، الذين عناهم بمقاله. فإن أنساب آل قتادة هي من أصرح الأنساب الهاشمية وأثبتها، وأشهرها وأقواها، وقد احتفل العلماء بذكرها أنساباً وترجمةً وأخباراً، فهذه: كتب الأنساب، والتـاريخ، والتراجم، والطبقات، والأعـلام، وشروح الحديث طافـحةٌ بذكر أخبارهم، والإشادة بأنسابهم، والحفاوة بأعقابهم، والتدقيق في ذكر فروعهم بعد أصولهم، بمنهج فريدٍ متميز، واستقصاءٍ لا يُعرف أكمل منه، واستقراءٍ لم يحصل أتمّ منه، مما لم يقع لكثير غيرهم ممن تثبت أنسابهم لآل البيت. فضبط أنساب آل البيت أمر مشهور ومعلوم عند العلماء.

قال العلامة ابن حجر الهيتمي شيخ الشافعية المعتمد قوله في مذهبهم في الصواعق المحرقة 2/587 في نحو هذا المعنى: «ولم تزل أنساب أهل البيت النبوي مضبوطة على تطاول الأيام، وأحسابهم التي يتميزون محفوظة عن أن يدعيها الجهال واللئام، وقد ألهم الله من يقوم بتصحيحها في كل زمان، ومن يعتني بحفظ تفاصيلها في كل أوان، خصوصاً أنساب الطالبيين والمطلبيين. ومن ثَمّ وقع الاصطلاح على اختصاص الذرية الطاهرة ببني فاطمة من بين ذوي الشرف كالعباسيين والجعافرة بلبس الأخضر إظهاراً لمزيد شرفهم».

وقال العلامة النسابة ابن عنبة في مقدمة «عمدة الطالب» ص36: «ولم تزل أنسابهم ـ أي آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ـ التي إليها يعتزون على تطاول الأيام مضبوطة، وأحسابهم التي بها يتميزون على تداول الأقوام عن الخلل محوطة».

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في «فتح الباري» في شرحه لحديث «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان» ما نصه: «قال ابن هبيرة: يحتمل أن يكون على ظاهره، وأنهم لا يبقى منهم في آخر الزمان إلا اثنان: أمير، ومؤمر عليه، والناس لهم تبع. قلت: في رواية مسلم عن شيخ البخاري في هذا الحديث «ما بقي من الناس اثنان» وفي رواية الإسماعيلي «ما بقي في الناس اثنان وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى» وليس المراد حقيقة العدد، وإنما المراد به انتفاء أن يكون الأمر في غير قريش. ويحتمل أن يحمل المطلق على المقيد في الحديث الأول، ويكون التقدير: لا يزال هذا الأمر، أي: لا يسمى بالخليفة إلا من يكون من قريش، إلا أن يسمى به أحد من غيرهم غلبة وقهراً، وإما أن يكون المراد باللفظ الأمر، وإن كان لفظه لفظ الخبر. ويحتمل أن يكون بقاء الأمر في قريش في بعض الأقطار دون بعض، فإن بالبلاد اليمنية وهي النجود منها طائفة من ذرية الحسن بن علي، لم تزل مملكة تلك البلاد معهم من أواخر المائة الثالثة، وأما من بالحجاز من ذرية الحسن بن علي وهم أمراء مكة وأمراء ينبع، ومن ذرية الحسين بن علي وهم أمراء المدينة: فإنهم وإن كانوا من صميم قريش، لكنهم تحت حكم غيرهم من ملوك الديار المصرية، فبقي الأمر في قريش بقطر من الأقطار في الجملة».

ولهذا نجد جهوداً مشكورة لكثير من العلماء الأجلاء الذين حرروا في هذا الفن وصنفوا كتباً خاصة في أنساب آل البيت سواء كانوا منهم أومن غيرهم من أهل العلم والفضل يعرف ذلك من سبرها من أهل البحث والتحقيق في هذا الفن.






الوقفة الثالثة

وفيها ذِكْرُ بعض الأوهام الفاحشة والمغالطات التي وقع فيها الكاتب، وحاول أن ينزلها على كلام ابن فندق، بما ليس من صنيعه ولا من مراده، ويستنطقه ما لم يقله، ويُبعد كلامَه بما لم يذهب إليه، ويتعسف في استشكال ما ليس بمشكل، ويختلق احتمالات لا تَرِدُ عليه.

ولدحض هذه الأوهام نقول:

الوهم الأول:

زعمه ووهمه أن قول ابن فندق: «عبد الله بن محمد بن موسى الثاني لا عقب له بالاتفاق» المراد به عبد الله الأكبر بن محمد الأكبر بن موسى الثاني جد الأشراف آل قتادة. حيث قال ما نصه: «قال ابن فندق في كتابه «لباب الأنساب» عن جد الأشراف القتاديين عبد الله بن محمد بن موسى الثاني: لا عقب له بالاتفاق.

قلت: شذ ابن فندق وخالف بقوله لا عقب له بالاتفاق المحققين من علماء النسب ومؤرخي مكة القائلين بأن لعبد الله ابن محمد بن موسى الثاني عقباً لم ينقرض.

قال النَّسَّابة شيخ الشرف العبيدلي. ت435هـ: والعقب من ولد عبد الله بن محمد الأكبر بن موسى بن عبد الله الثاني بن موسى الجون من ثلاثة نفر: علي بن عبد الله وله أولاد، ومحمد ابن عبد الله يلقب ثعلباً، قتل وله أولاد، وأحمد بن عبد الله وله أولاد . وقد شهد ببقاء عقب عبد الله بن محمد بن موسى الثاني، النَّسَّابة فخر الدين محمد الرازي ت606هـ، والنَّسَّابة إسماعيل الأزورقاني ت بعد 614هـ، والنَّسَّابة أحمد بن محمد الحسيني العبيدلي ت بالقرن 7هـ، والنَّسَّابة ابن الطقطقي محمد ت709هـ، والنَّسَّابة الـجَبَل ابن عنبة أحمد (ت828هـ) وقال: علي بن عبد الله، في ولده الإمرة بالحجاز من عهد المستنجد بالله إلى الآن، والنَّسَّابة أبو علامة المؤيدي ت1044هـ. وبه قال المحققون من مؤرخي مكة، من ذلك: الحافظ النَّـسَّابة المحقق ـ البصير بأنساب أشراف الحجاز ـ تقي الدين الفاسي ت83هـ، والمؤرخ عبد العزيز ابن عمر بن فهد ت922هـ، والمؤرخ ابن ظهيرة محمد جار الله القرشي ت986 هـ، وغيرهم من مؤرخي مكة». انتهى كلام هذا الكاتب عفا الله عنه.

قلنا: ما ذكره الكاتب قُصورٌ في فهم مرادات العلماء، وتقصير بالغٌ في إدراك مقاصدهم ودلالات ألفاظهم الواضحة، وتحميلٌ لكلامهم ما لا يحتمل من المعاني البعيدة كل البعد عن كلامهم، وتنزيلٌ له في غير محله، بل في أبعد محلٍّ عن محلّه؛ ومثل هذه الأخطاء الواضحة لا تقع من كاتب إلا مع عدم قدرته على التحقيق في الأمور الواضحة، والجمع البدهي بين كلام العلماء فيها، وإما لأمور أخرى، الله أعلم بها. وكلامه عن نسب الإمام الشافعي، بما ألمحنا إليه سابقاً، يؤكد ما ذكرناه آنفاً.

ثم أقبل هذا الكاتب (بتعسفه في فهمه وضعف تصرفه في كلام العلماء) على كلام ابن فندق الذي يذكر فيه: أن عبد الله ابن محمد بن موسى الثاني لا عقب له بالاتفاق، فجعل أن المراد به هو عبد الله الأكبر بن محمد الأكبر بن موسى الثاني جد آل قتادة!! وهذا فهم مجانبٌ للصواب من كل وجه، مجانفٌ للحق من كل جهة!! وفيه مجازفة وخلط كبير. ولو أن الكاتب كلف نفسه بشيء من التأمل اليسير، وحسن الظن الذي يستحقه كل عاقل، فضلاً عن العالم، لعرف أن فهمه الذي توصّل إليه خاطئٌ كل الخطأ، وأنه أبعد ما يكون عن مراد العلامة ابن فندق. ولو أنه تأمل هذا التأمل اليسير لاستغنى عن تطويله للكلام، ولأراح واستراح من الإشكال الذي وقع في وهمه، ومن استطراده بنقل كلام جماعة من العلماء النسابة بما لا يعارضه كلام ابن فندق أصلاً!!

ذلك أن عبد الله بن محمد الذي ذكره ابن فندق في ذلك النقل هو شخص غير عبد الله الأكبر بن محمد بن موسى الثاني جدّ آل قتادة الأشراف، وهذا أمر لا يصح أن يخفى على من تعنّى النظرَ في كلام العلماء من النسابين والمؤرخين، وتصدّى للكتابة في علم الأنساب والتراجم.

فعبد الله بن محمد بن موسى الثاني الذي ذكر ابن فندق أنه لا عقب له بالاتفاق، توضيحُ شخصِه وبيانُ مرادِ ابن فندق منه يتم بما يلي:

1- أن ابن فندق في قوله: «عبد الله بن محمد بن موسى الثاني لا عقب له بالاتفاق» إنما أراد عبد الله بن محمد الأصغر ابن موسى الثاني الذي انتهى عقبه. فهذا هو الذي يوافق أصول نسب الطالبية من أعقاب بني الحسن بن علي رضي الله عنهما. حيث ذكر جماعة من العلماء: أن محمد الأصغر كان له ولد اسمه عبد الله، ويلقب بأبي الزوائد، نص عليه الفخر الرازي في الشجرة المباركة: ص11، وعز الدين المروزي الأزورقاني في الفخري ص:91، وشيخ الشرف العبيدلي في تهذيب الأنساب ص: 52، وفي المشجر الكشاف لابن عميد الدين في نسخة أمريكا الخطية، وذكر العلماء أيضاً أن محمد الأصغر والد عبد الله الملقب بأبي الزوائد قد انتهى وانقرض عقبه، قال ابن عنبة في «عمدة الطالب»، ص149: عن أبناء موسى الثاني بن عبد الله: «وأما موسى الثاني…. فولد ثمانية عشر ولداً ذكراً: وهم عيسى، وإبراهيم، والحسين الأكبر، وسليمان، وإسحاق، وعبد الله، وأحمد، وحمزة، وإدريس، ويوسف، ومحمد الأصغر، ويحيى، وصالح، والحسين الأصغر، والحسن، وعلي، وداود، ومحمد الأكبر. أما عيسى فلم يعقب، وأما الحسين الأكبر فلم يذكر له ولد، وأما إبراهيم وسليمان وإسحاق وعبد الله وأحمد وحمزة ومحمد الأصغر الـملقب بالعربـي والحسين الأصغر فانقرضوا، وأما يوسف بن موسى الثاني… الظاهر أنه منقرض. وبقي عقب موسى الثاني في سبعة رجال: إدريس ويحيى وصالح والحسن وعلي وداود ومحمد الأكبر». انتهى.

وبمثله جاء عند ذكر اسم محمد الأصغر في المشجر الكشاف لابن عميد الدين الحسيني نسخة أمريكا حيث جاء فيها: «محمد الأصغر الأعرابي انقرض». وهذا نصٌ صريح في انقراض عقب محمد الأصغر، وبالتالي أنه لا عقب لولده عبد الله الذي انتهى عقبه بانقراض عقب أبيه.

بل إن كلام شيخ الشرف العبيدلي في تهذيب الأنساب ص52، يفهم منه أن عبد الله بن محمد الأصغر لا يعرف له عقب، وذلك أنه عند ذكره وذكر أخيه أحمد قال عن أحمد: وفيه عدد، ولم يذكر ولداً لعبد الله. فدل على ما ذكرنا وهو صنيع كل من ذكر عبد الله بن محمد الأصغر حيث لم يذكروا له عقباً.

فبجمعٍ سريع وتأمل يسير لهذه النصوص ولكلام العلماء يتضح غاية الوضوح أن العقب المنقرض هو عقب محمد الأصغر ابن موسى الثاني، وأنه انقرض بعد أن أعقب ولداً هو عبد الله ابن محمد الأصغر، ولا شك أن هذا هو مراد العلامة ابن فندق، لأنه هو الذي تحقَّق فيه الانقراض، وهو الذي تحقق الاتفاق على انقراض عقبه «كما يأتي التأكيد عليه في رد الوهم الثاني».

2- أنه لو قيل جدلاً وعلى فرض أن عبد الله بن محمد ابن موسى الثاني الذي عناه ابن فندق بأنه لا عقب له بالاتفاق أنه ولد محمد الأكبر بن موسى الثاني على حد زعم الكاتب، فيقال له: إن محمد الأكبر بن موسى الثاني كان له ولدان باسم عبد الله: أحدهما يعرف بالأكبر، والآخر بالأصغر، ولُقّبا بهذين اللقبين للتفريق والتمييز بينهما. وهذه عادة جرى عليها علماء النسب والمؤرخون، كما هو صنيع مصعب الزبيري في كتابه نسب قريش، وصنيع العمري في المجدي، وابن عنبة في العمدة الذي تقدم النقل عنه في ولد موسى الثاني، حيث ذكر أن لموسى الثاني ولدين باسم الحسين، فرق وميز بينهما بلقب الأكبر لأحدهما والأصغر للآخر. وكذلك الأمر في: محمد الأكبر بن موسى، ومحمد الأصغر ابن موسى، وهذا كما أسلفت عادة متبعة([4]).

بل إن مجرد تلقيب العلماء لعبد الله بالأكبر فيه إشارة قويةٌ إلى وجود أخٍ آخر له اسمه عبد الله وملقَّبٍ بالأصغر، لما اعتدناه من مثل هذه الألقاب في الأسماء والأنساب «كما سبق».

وقد نبه وأشار إلى هذا النسابة عز الدين المروزي الأزورقاني في الفخري ص: 88، عند ذكر عقب محمد الأكبر بن موسى الثاني حيث قال: وعبد الله الأصغر، وقيل: هو الأكبر بطن.

وحكاية الأزورقاني للخلاف في عبد الله بن محمد المعقب من ولد محمد الأكبر: هل هو الأكبر أم الأصغر سناً إشارة إلى أن هناك ولدين لمحمد الأكبر باسم عبد الله: أحدهما يعرف بالأكبر، والآخر بالأصغر، وأحدهما معقب والآخر ليس له عقب. وكلمة العلماء مجتمعة بلا خلاف في أن آل قتادة هم من ذرية عبد الله بن محمد الأكبر بن موسى المعقب، وهذا محلّ إجماع لا يخفى على العدو قبل الصديق([5]). ومحل الخلاف في عبد الله هذا ينحصر في لقبه فقط: هل هو الأكبر أم الأصغر سناً، وهذا خلافٌ سهلٌ لا علاقة له بعمود النسب؛ لأن المهم هو أن نعرف عقب عبد الله الذي أعقب ومن هم عقبه، وهذا ما اتفق على نقله النسابون، ولم يخالف فيه ابن فندق ولا غيره.

وكون أن المعقب هو الأكبر نص عليه ابن المهنا العبيدلي في التذكرة في الأنساب المطهرة ص: 24، وابن الطقطقي في الأصيلي ص: 100، وابن عميد الدين في المشجر الكشاف في نسخة أمريكا ونسخة الزبيدي، وهذا ما عليه أكثر علماء النسب ومؤرخو مكة والأشراف بالحجاز المعتنون بهذا، فإنهم ما زالوا يتناقلونه من القديم. في حين أن الرازي نصّ في الشجرة المباركة على أن المعقب هو الأصغر، وتنصيص الرازي هذا إنما حصل لأنه اعتمد على القول الأول مما يذكره الأزورقاني، وذلك طلباً للاختصار، لا عن بحث واجتهاد له في الترجيح «على ما يغلب على الظن»، حيث إن الرازي كان قد بنى كتابه على كلام الأزورقاني المروزي، وتتلمذ عليه في علم النسب، كما هو معلوم.

والخلاصة: أن عبد الله بن محمد الأكبر المعقب جد آل قتادة اختلف فيه فقط هل هو الأكبر سناً أم الأصغر سناً، ولم يختلف في كونه معقباً .

3- إن في كلام ابن فندق كما في النسخة المطبوعة من «اللباب» حسمٌ لهذه الشبهة المتهافتة، والتي لولا أن أثارها الكاتب لما ظننا أنها ستشتبه على أحد!! ذلك أن ابن فندق بعد أن قال عبارته التي ردّ الكاتب عليها والتي جعل ابن فندق فيها ناقلا للاتفاق فيما الاتفاق على نقيضه، قال عبارة أخرى وقرّر تقريراً آخر يوضح لمن له أدنى فهم في علم النسب أن ابن فندق لم يكن يقصد بعبد الله بن محمد بن موسى الثاني الذي لم يعقب «بالاتفاق» جدَّ آل قتادة، بل كان يقصد شخصاً آخر تماماً. حيث إن أبناء عمومة آل قتادة الأقربين في جدهم عبد الله بن محمد الأكبر، وهم الثعالبة، قد جاء ذكرهم في النسخة المطبوعة من «لباب الأنساب والألقاب والأعقاب» ص(1/240) تحت لقب الثعلبة في التي تليها في حرف الثاء، فقال العلامة ابن فندق في هذا الموطن ما نصه: «الثعلبة ـ محمد بن عبد الله بن محمد بن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام». انتهى.

وهذا نصٌّ صريحٌ (كما لا يخفى على ذي عينين) في محمد ثعلب بن عبد الله الأكبر أخو علي بن عبد الله الأكبر جد آل قتادة، وهو نصٌّ يقطع بأن العلامة ابن فندق كان يعلم ويقرّر بأن عبد الله الأكبر جد آل قتادة قد عقّب ولم ينقرض عقبه، وهو نصٌّ يزيل شبهة مخالفته للإجماع التي ادعاها الكاتب، ثم راح يصول ويجول في أرض معركةٍ ليس له فيها مخالفٌ؛ إلا ما توهّمه من خلافٍ لا وجود له. وهذا النصُّ أخيراً يدل على أن مراد ابن فندق بعبد الله الذي لم يعقب «اتفاقاً» شخصٌ آخر غير عبد الله الأكبر جد آل قتادة، سواء كان مراده بهذا الذي لم يعقب: عبد الله ابن محمد الأصغر بن موسى الثاني، أو عبد الله الأصغر بن محمد الأكبر بن موسى الثاني؛ إذ إن هذين كليهما لم يعقبا.

أما محمد ثعلب بن عبد الله الأكبر بن محمد الأكبر بن موسى الثاني الذي ذكره ابن فندق في موضع آخر كما تقدم فهو شخص معروف عقبه عند علماء النسب.

وقد قال شيخ الشرف العبيدلي في «تهذيب الأنساب» ص49: «والعقب من ولد عبد الله بن محمد الأكبر بن موسى ابن عبد الله الثاني بن موسى الجون في ثلاثة نفر: علي بن عبد الله وله أولاد ومحمد بن عبد الله يلقب ثعلب وله أولاد، وأحمد بن عبد الله وله أولاد».

وقال ابن عنبة في «عمدة الطالب» ص163: «وأما عبد الله الأكبر بن محمد الثائر ويكنى أبا محمد فأعقب من ثلاثة رجال: أبي جعفر محمد المعروف بثعلب وأحمد وعلي».

وذكر ابن الطقطقي في «الأصيلي» ص100، وابن المهنا العبيدلي في «التذكرة» ص: 24 عقب عبد الله الأكبر في أحمد الأمير ومحمد ثعلب وعلي.

بل إن تنصيص علماء النسب على ذرية محمد ثعلب المعروفين بالثعالبة واستمرارها في زمنهم، مع عدم تنصيصهم بانقراض هذا العقب في ذلك الزمن: كل ذلك مما يزيد اليقين بأن عبد الله الذي ذكر ابن فندق أنه قد اتُّفق على انقراض عقبه شخصٌ آخر غير جد آل قتـادة الذي اتُّـفق على نسبه وتواتـر اتصالُه!!

4- وهنا وقفةٌ مهمة جداً، وحدها كانت كافيةً للأخ الكاتب (عفا الله عنه) ليفهم مراد ابن فندق، ولو تنبّهَ الأخ الكاتب لهذه الوقفة لما احتاج إلى أن ندلّه على ضرورة تقليب صفحات كتاب ابن فندق (إن عسر ذلك عليه)، ولا إلى جمع أقواله من مواطنه القريبة والبعيدة، فضلاً عن أن يحتاج معها إلى النظر في بقية كتب الأنساب! ذلك أن ابن فندق في عبارته التي استشكلها الكاتب قد نقل الاتفاق على أن عبد الله الذي ذكره لم يعقب، فلم يكتف ابن فندق بذكر عدم إعقاب عبد الله هذا، حتى أضاف إلى كونه لم يعقب: أن نَقَلَ الاتفاقَ على عدم إعقابه. وإن الأخ الكاتب ليعلم هو نفسه (قبل غيره) أن أحداً من النسابين لم يقل بأن عبد الله جد آل قتادة لم يعقب، والكاتب نفسه جاء بعدد من النصوص التي تدل على إجماع النسابين على أن عبد الله جد آل قتادة معقبٌ ذريةً كبيرةً مباركةً مستفيضةَ النسبِ. فنقلُ ابنِ فندق للاتفاق يقطع بأنه لا يريد عبد الله جد آل قتادة؛ لأن جدَّهم إنما وقع الاتفاق على اتصال نسبه، لا على انقراض نسبه، كما فهمه الكاتب من كلام ابن فندق!!

ولو أن ابن فندق كان قد قرّرَ انقراضَ عقب عبد الله الأكبر دون أن ينقل الاتفاق عليه، لوجدنا للأخ الكاتب عذرا في تعسّر فهم العبارة عليه؛ لأن فهمها حينئذٍ كان سيحتاج منه إلى تقليب صفحات كتابه، وسيحتاج إلى مراعاة قرائن الأحوال المستفادة من كون هذا العلامة بعيداً عن نحو هذا الخطأ القبيح الكبير الواضح. لكن بعد أن نقل ابن فندق الاتفاقَ على ما الاتفاقُ على نقيض فهم الكاتب من كلامه، ضاق عذر هذا الكاتب (عفا الله عنه)، واتسع مجال اللوم عليه، وتبيّنت فداحةُ خطئه، واتضح بُعدُ فهمه عن مدلول كلام ابن فندق. وهذا ما استوجب منا هذا الرد الذي يوضح الحقائق، والذي حرصنا فيه على عدم وصف خطأ الكاتب إلا بما يستحقه من البعد الشديد وسوء الفهم.

الوهم الثاني:

قال الكاتب عفا الله عنه: «قال ابن فندق في «لباب الأنساب» عن جد الأشراف الهواشم الأمراء والقتاديين: [محمد ابن موسى بن عبد الله بن موسى الجون، كان له عقب بالتمام، ثم انقرضوا]. قلت ـ أي الكاتب ـ: تسرع ابن فندق في النفي، وهذه آفة عظيمة، بل ناقض نفسه، ودليل ذلك أنه ذكر لمحمد ابن موسى عقباً، وهو أمير مكة في زمانه قاسم بن هاشم بن فليتة ت565هـ، وناقض ابن فندق نفسه في موطن آخر، فقال: أبو عبد الله محمد الأصغر بن موسى الثاني بن عبد الله السويقي، له عدد وجماعة بالحجاز والبادية من الأمراء والأجلاء. وناقض نفسه أيضاً في موطن آخر، فقال: والعقب من الأمير الحسين بن محمد الأكبر بن موسى بن عبد الله رجلان: أبو جعفر محمد الأمير، وأبو هاشم محمد، ثم ذكر أعقابهم.

بل إن ابن فندق بنفيه عقب محمد الأكبر بن موسى الثاني ابن موسى الجون، قد خالف إجماع علماء النسب القائلين بأن له أعقاب؛ من ذلك: النَّسَّابة شيخ الشرف العبيدلي ت435هـ، والنَّسَّابة ابن حزم علي ت456هـ، والنَّسَّابة علي بن محمد العُمري ت قرن 5هـ، والنَّسَّابة الجواني ت588هـ، والنَّسَّابة فخر الدين محمد الرازي ت606هـ، والنَّسَّابة إسماعيل الأزورقاني ت بعد 614هـ، والنَّسَّابة أحمد بن محمد الحسيني العبيدلي ت قرن 7هـ، والنَّسَّابة ابن الطقطقي محمد ت709هـ، والنَّسَّابة الـجَبَل ابن عنبة أحمد ت828هـ.

بل خالف ابن فندق بنفي أعقاب محمد بن موسى الثاني بن موسى الجون، إجماع مؤرخي مكة المحققين، وعلى رأسهم الحافظ النَّسَّابة المحقق تقي الدين الفاسي ت832هـ، والمؤرخ عبد العزيز ابن عمر بن فهد ت922هـ، والمؤرخ ابن ظهيرة محمد جار الله القرشي ت986هـ، وغيرهم من مؤرخي مكة» انتهى.

قلنا: ما تقدم من كلام الكاتب وهم وخلط منه، بحمله كلام العلامة ابن فندق بما ليس بمرادٍ في كلامه ولا من مقصوده، بل فيه تكلفٌ لمحاولة إظهار شبهة أن عقب محمد بن موسى الثاني المعروف بالأكبر وهو المعقب أن هناك من يورد خلافاً في بقاء عقبه كابن فندق، على حد زعمه، وهذا هو الوهم منه بعينه، وعدم التحقيق، والفهم السقيمُ لكلام العلماء ولألفاظهم ومراداتهم ومصطلحاتهم، وهو من البعد عن تحرير كلامهم حسب قواعد هذا الفن. وهو يدل على خلل كبير في منهج من مارسه، وإن ادعى المعرفة فيه. وهو مخالف لما قرره العلماء أن من أوصاف العالم بالنسب: أنه يجب أن يكون النسابة عارفاً بالنـسب، وخصـوصياته، وممـيزاً لدارجه عن غيره، ومنقرضه عن من سواه([6]). فمن كانت هذه الصفة ومثيلاتها من أوصافه كان من المقتدرين على ضبط الأنساب، وتحريرها بحسن الإتقان، والدقة.

ونحن إذا تأملنا ما ذكره الكاتب وحررنا كلام العلماء فيه علمنا أن الصواب قد جانبه في فهمه كل المجانبة، وأن الخطأ والخلط كانا أكبر حليفَـيْهِ فيما زعمه من وهمٍ وتناقضٍ ومخالفةٍ في كلام ابن فندق. وذلك أن ما أورده العلامة النسابة ابن فندق لا يدل ولا يقتضي ما فهمه الكاتب الذي أبعد النجعة، وأخذ بظواهر الأسماء، وسار بها من غير تحقيق، فوصف ورمى ابن فندق بالتناقض ومخالفة الإجماع، وجعل مراده بالتناقض مع نص الانقراض على من بقي له عقب تارة وهو محمد الأكبر، وعلى من انتهى عقبه وانقرض تارة وهو محمد الأصغر، وهذه هي العتبة الأولى من عتبات التشكيك في الأنساب المتواترة اليقينية، وتتضمن فاتحةَ الطعن في الأنساب الثابتة، من خلال محاولة إثارة الأوهام الساقطة على أنها شُبهٌ، ومحاولة جعل الفهم الباطل شبهةً في النسب الذي لا تَطَالُـهُ الشُّبه ولا تطمع في ذُراه الشكوك.

ولبيان هذا الخطأ والخلط الواضح من الكاتب: أنه جاء في النسخة المطبوعة في «لباب الأنساب والألقاب والأعقاب» لابن فندق البيهقي في 2/463 ما نصه: «محمد بن موسى بن عبد الله بن موسى الجون، كان له عقب بالتمام، ثم انقرضوا». وهذا ما نقله الكاتب بتمامه، ولم يحرره التحرير الصحيح، بل جعل هذه العبارة شاهداً على تناقض ابن فندق، مع عباراته الأخرى التي تقدم ذكرها. وهذا من سوء الفهم، مع سوء الأدب مع هذا العلامة؛ إذ كان ينبغي عليه أن يعتبر الجملة الثانية مفسرةً للجملة الأولى موضحةً لها، بدلا من أن يعتبرها متناقضةً معها. هذا هو منهج المنصفين في فهمهم لكلام العقلاء، فضلا عن كلام العلماء!

وتحرير كلام ابن فندق يتضح مما يلي:

أولاً: أننا إذا رجعنا إلى عقب موسى الثاني بن عبد الله الرضا الشيخ الصالح بن موسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم نجد أن له ابنين باسم محمد، مُيز وفُـرِّقَ بينهما بنعت أحدهما بالأكـبر والآخر بالأصغر، كما هي العادة عند علماء النسب «كما أشرنا سابقاً»، وأن محمد الأكبر هو الذي له عقب وبقية استمرت إلى زماننا، وأن محمد الأصغر كان له عقب ثم انقرض.

ومحمد الأكبر بن موسى الثاني المعقب هذا: كان له خمسة من الولد، هم: الحسن الحرابي، والقاسم الحرابي، والحسين، وعبد الله، وعلي. ومنهم من استمر عقبه إلى زماننا، منهم آل قتادة وغيرهم. وقد نص على أن محمد الأكبر هو الذي استمر عقبه غير واحد من العلماء منهم أبو الحسن شيخ الشرف العبيدلي في تهذيب الأنساب، ونهاية الأعقاب ص: 48-50، ونص فيه على أن في عقبه أفخاذ، وعز الدين المروزي الأزورقاني في الفخري في «أنساب الطالبيين» ص: 87-89، ونص على أن في عقبه بطون، والفخر الرازي في «الشجرة المباركة» ص: 7، وذكر أنه جد أمراء مكة، وأبو الحسن العمري في «المجدي» ص: 54، 55، وذكر من أعقابه بعض أمراء مكة وينبع والسرين([7])، وابن عنبة في «عمدة الطالب» ص: 156-176، وساق أعقابهم وفروعهم وذكر منهم أنساب بعض أمراء مكة إلى بني قتادة.

وذكرهم ابن الطقطقي في «الأصيلي» ص: 97-109، وابن المهنا العبيدلي في «التذكرة في الأنساب المطهرة»: 20-23، 39، 329-330، وابن عميد الدين في «المشجر الكشاف»، وذكر أعقاب بني محمد الأكبر إلى زمن بني قتادة.

بل إن ابن فندق نفسه ذكر في «اللباب» 2/527 أعقاباً لمحمد الأكبر بما يتفق مع من تقدم ذكرهم من علماء النسب، حيث ذكر أعقاباً للحسين الأمير محمد الأكبر (هكذا نعته) ابن موسى الثاني بقوله: فصلٌ في أنساب أمراء مكة حرسهم الله…

وأما محمد الأصغر بن موسى الثاني فقد نص غير واحد أنه انقرض عقبه ـ أي أنه كان له عقب ثم انقرض.

فممن نص على أنه أعقب أولاً قبل الانقراض المروزي الأزورقاني في الفخري في «أنساب الطالبيين» ص: 87، وذكر في ص: 91، فذكر أن له ولدين هما أحمد أبو علي الأعرج وعبد الله أبو الزوائد. وأنه لم يزل لهما عقب.

وقال شيخ الشرف العبيدلي في «تهذيب الأنساب» ص52: «والعقب من ولد أبي عبد الله محمد الأصغر وهو الأعرابي من أبي علي أحمد الأعرج وفيه وعدد ومن عبد الله بن محمد أبي الزوائد».

وقال الفخر الرازي في «الشجرة المباركة في أنساب الطالبيين» ص11: «وأما محمد الأصغر بن موسى الثاني فله من الأولاد المعقبين: عبد الله أبو الزوائد، وأحمد الأعرج. وأما أبو الزوائد فله ابن اسمه محمد ويدعى أبا الزوائد أيضاً ولمحمد هذا ابن يدعى أبا الزوائد اسمه سليمان. ولم يزل لهم بعد ذلك».

وقال أبو الحسن العمري في المجدي في «أنساب الطالبيين» ص53، 54: «ومحمد الأصغر الأعرابي بينبع ابن موسى أعقب».

فما تقدم نقله عن علماء النسب فيه إثبات أن محمد الأصغر كان له عقب بالحجاز، وهو ينطبق على قول ابن فندق في النسخة المطبوعة من «اللباب»: «كان له عقب بالتمام ثم انقرضوا». والمنطبق أيضاً على قوله في الموضع الآخر «أبو عبد الله محمد الأصغر بن موسى الثاني بن عبد الله السويقي، له عدد وجماعة بالحجاز والبادية من الأمراء والأجلاء».

ومعنى انقرض معلوم عند العلماء ومنهم ابن فندق نفسه حيث فسره في «اللباب» بقوله: «وانقرض، أي: كان له عقب فانقرض هو وعقبه». فدل على أنه لا تعارض في كلامه وكلامه يفسر بعضه بعضاً بجمعه، فهو في موضع ذكر أنه أعقب وفي موضع آخر ذكر أنه انقرض وهو متفق مع كلام علماء النسب الآخرين.

وممن أشار إلى ذلك النسابة العلامة ابن عنبة فذكر أن عقب محمد الأصغر لم يستمر ولم يبق لهم بقية، وأنه انقرض فقال في «عمدة الطالب» ص149: «وأما موسى الثاني… فولد ثمانية عشر ولداً ذكراً وهم عيسى وإبراهيم والحسين الأكبر وسليمان وإسحاق وعبد الله وأحمد وحمزة وإدريس ويوسف ومحمد الأصغر ويحيى وصالح والحسين الأصغر والحسن وعلي وداود ومحمد الأكبر.

أما عيسى فلم يعقب. وأما الحسين الأكبر فلم يذكر له ولد. وأما إبراهيم وسليمان وإسحاق وعبد الله وأحمد وحمزة ومحمد الأصغر الملقب بالأعرابي والحسين الأصغر فانقرضوا، وأما يوسف بن موسى الثاني… الظاهر أنه منقرض وبقي عقب موسى الثاني من سبعة رجال: إدريس ويحيى وصالح والحسن وعلي وداود ومحمد الأكبر».

وممن أشار إلى انقراض عقب محمد الأصغر بن موسى الثاني مع ذكره لولديه أحمد وعبد الله ابن عميد الدين في المشجر الكشاف.

فبعد هذا البيان والإيضاح، يتضح لنا أن عقب محمد الأصغر قد انقرض بعد أن كان له بقية في الحجاز, نص العمري على أنه بينبع، ونص ابن فندق على التمام.

وكلاهما منازل للحسنيين كانوا يتنقلون فيها.

ومن المعلوم لمن تتبـع أخبـار بني الـحسن أن أماكـن تواجدهم كانت في نواحي المدينة كملل، وسويقة، والسيالة، وحزرة، والـحورة، ويـين، والأثيب، والفرش، والفرع أعلـى حزرة([8]) وجميعها تبعد عنها بنحو الخمسين إلى السبعين كيلاً جنوب المدينة على يمين الطريق القديم للمتجه لمكة وكلها متجاورة للأخرى إن لم تكن ملاصقة لها، بالإضافة إلى ينبع والصفراء. وأما التمام فلا يعرف في الحجاز موضع اسمه التمام بالمثناة إلا ما ذكره السمهودي في «وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى» في نسخة دار الكتب العلمية 3/ 1008 بتحقيق محي الدين عبد الحميد قوله: «وبين السيالة، والروحاء أحد عشر ميلاً، وبينهما ملل على سبعة أميال، وهي لولد الحسن بن علي بن أبي طالب، ولقوم من قريش، وعلى ميلين منها عين تعرف بسويقة لولده عبد الله بن حسن كثيرة الماء عذبة، وهي ناحية عن الطريق… وعلى ميلين من السيالة أراد من أولها، ولهذا قال المطري: شرف الروحاء هو آخر السيالة، وأنت متوجه إلى مكة، وأول السـيالة إذا قطعت شرف ملل، وكانت الصخيرات التـمام عن يمينك، وقد هبطت من ملل ثم رجعت عن يسارك واستقبلت القبلة فهذه السيالة» انتهى.

إلا أن علماء المواضع، والبلدان، وأهل اللغة ذكروا هذا الموضع باسم الثمام بالمثلثة وهو الصواب وهو ما أثبته الدكتور قاسم السامرائي في تحقيقه على «وفاء الوفاء» نسخة مؤسسة الفرقان، ومن المعتاد أن أكثر التصحيف يحصل في النقط، بل إن التاء والثاء من الحروف المتشابهة التي كثير ما يحصل فيها التغيير والتبديل، والتصحيف لتشابه كتابتها، وقرب نطقهما، ومخارجهما، وبسبب قرب اللهجات فيها وغيره.

ومن المعلوم عند المعتنيين بتحقيق التراث أن من وسائل تحقيق النص مراجعة المصادر المماثلة. ومثل هذا ذكره كبار المحققين كالأستاذ عبد السلام هارون والدكتور بشار عواد وغيرهما.

فالبحث هنا هو في موضع اسمه التمام، فمظنة وجود أمثاله في كتب البلدان والأمكنة([9]).

وإذا علمنا أن نسخة «اللباب» هذه التي بين أيدينا واعتمدها الكاتب نسـخة مليئة بالأخطاء، وبالتصحيفات والتحريفات، والسقط والزيادات ـ وقد أشار إلى هذا بعض المحققين (كما تقدم في أول هذا المقيد)، حيث قال السيد عبد العزيز الطباطبائي في مجلة «تراثنا» في الجزء 37 صفحة 167 عن هذا الكتاب وطبعته: «طبع في قم سنة 1410هـ لأول مرة من مطبوعات مكتبة المرعشي في جزأين، طبعة سقيمة مشوهة ملؤها أخطاء، والذنب للناسخيـن السّابقيـن، فقـد كانوا بعيديـن عن علم الأنساب، جاهلينَ بمصطلحاته، فحرفوا وصحفوا، قيّض الله محققاً عالماً بالأنساب، خبيراً بمصطلحاتهِ، عارفاً باللغة العربية وكناياتها ومجازاتها، أديباً بارعاً يجيد التحقيق، يُحيي هذا الكتاب وينقذهُ ممّا مني به هذه المدة». ـ كان ذلك مدعاة لتحقيق النص وضبطه في هذا الكتاب.

وبتطبيق ما ذكرنا من أهمية تحقيق النص الذي نريد وتخريجه من الكتب والمصادر التي هي مظنة البحث فيها، ظهر لنا أن هذا الموضع الذي يقال له الثمام هو في ديار ومتبدى بني الحسن بن علي رضي الله بالحجاز عنهما الذين منهم عقب محمد ابن موسى الثاني المذكور، فتبين لنا أن المراد والأقرب في كلام ابن فندق «الثمـام» وأن عبارتـه فيها سقط لنقطـة وهو من التصحيف اليسير.

وقد ذكر أهل العلم بالمواضع والبلدان أن الثمام موضع بين السيالة والفرش، وبالقرب منها سويقة، وحزرة، والأثيب، والحورتين، ويين وجميع هذه المواضع من ديار ومنازل الحسنيين المعروفة والثمام في آخر السيالة التي هي لبني الحسن بن علي رضي الله عنهما.

قال ياقوت في «معجم البلدان» 3/83: «صخيراتُ الثُمام: بالثاءِ المثلثة المضمومة، وقيل: الثمامة بلفظ واحدة الثمام، وهو نبث ضعيف له خوص أو شبه بالخوص، وربما حشيت به الوَسـايد وهو، منزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بدر وهو بين السيَالة وفَرش».

وقال أيضاً 1/66: «أحجارُ الثمام: أحجار جمع حجر والثمام نبتٌ بالثاء المثلثة. وهي صُخَيرات الثمام نزل بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في طريقه إلى بدر قُربَ الفرش ومَلَل. قال محمد بن بشير يرثي سليمان بن الحصين:

ألا أيها الباكي أخاه وإنما
تفرّق يوم الفذفَد الأخوان
أخي يوم أحجار الثمام بكيته
ولو حمّ يومي قبله لبكاني
تداعَت به أيامه فاخترَ منَه
وأبقينَ لي شجواً بكلّ مكان
فليتَ الذي ينعي سليمان غَدوة
دعا عند قبري مثلها فنعاني





وقال أيضاً 1/454: «الثُمامَةُ: بضم أوله، صخيرات الثمامة إحدى مراحل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى بدر، وهي بين السيالة وفرش كذا ضبطه أبو الحسن بن الفرات وقيده وأكثرهم يقول صخيرات الثمام ».

وقال ياقوت في «معجم البلدان» 3/321 عن ملل المجاور للفرش والسيالة التي بينها الثمام: «مَلَل واد ينحدر من ورقان جبل مُزَينة حتى يصب في الفرش فرش سويقة وهو متبدى بني حسن ابن علي بن أبي طالب وبني جعفر بن أبي طالب ثم ينحدر من الفرش حتى يصب في إضم ثم يفرغ في البحر».

وأما السيالة فجاء عنها في البلدان 1/34: «مَلَل وهي في هذا الوقت منازل قوم من ولد جعفر بن أبي طالب وإلى السيالة وبها قوم من ولد الحسن بن علي بن أبي طالب».

وقال البكري في معجم ما استعجم 1/210: «والسيالة لولد الحسن بن علي ومنها إلى الروحاء اثنا عشر ميلاً».

وجاء في المناسك المنسوب لأبي إسحاق الحربي: «السيالة لولد الحسن بن علي رضي الله عنه».

وقال السمهودي في «وفاء الوفاء» 3/1008: «وبين السيالة والروحاء أحد عشر ميلا وبينهما ملل على سبعة أميال وهي لولد الحسن ابن علي بن أبي طالب ولقوم من قريش وعلى ميلين منها عين تعرف بسويقة لولدة عبد الله بت حسن كثيرة الماء عذبة وهي ناحية عن الطريق… وعلى ميلين من السيالة أراد من أولها ولهذا قال المطري: شرف الروحاء هو آخر السيالة وأنت متوجه إلى مكة وأول السيالة إذا قطعت شرف ملل، وكانت الصخيرات التمام عن يمينك، وقد هبطت من ملل ثم رجعت عن يسارك واستقبلت القبلة فهذه السيالة وكانت قد تجدد فيها بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم عيون وسكان وكان لها وال من جهة والي المدينة ولأهلها أخبار وأشعار وبها أثار البناء وأسواق وآخرها الشرف المذكور والمسجد عنده، وعنده قبور قديمة كانت مدفن أهل السيالة… قلت ـ أي السمهودي ـ وتلك القبور التي عند المسجد مشهورة بقبور الشهداء ولعله لكون بعضهم دفن فيها ممن قتل ظلماً من الأشراف الذين كانوا بالسيالة وبسويقة».

وأما سويقة فهي غنية عن التعريف، وسكنى الحسنيين بها مما عرف واشتهر ذكره في التاريخ، وهي بالقرب من السيالة على نحو من خمسين كيلاً، وقد استُوعِب الحديث عنها، وتحديدها والفرق بينها وسويقة التي في ينبع في رسالة مستقلة بعنوان: «سويقة عبد الله بن الحسن بين البلادي والجاسر وتحقيق الصواب بينهما»([10]).

وقال أبو الفرج الأصفهاني في «مقاتل الطالبيين» 1/81: «أخبرني عمر، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال حدثنا عبد الله بن إسحاق بن القاسم؛ قال: حدثني إبراهيم بن عبد الله بن الحسن، قال: لقيني موسى بن عبد الله بالسيالة، فقال: انطلق أرك ما صنع بنا في سويقة، فذهبت معه، فوجدت نخلها قد عرقبت».

وقال البكري في «معجم ما استعجم» 1/126: «سويقة… على مقربة من المدينة وبها كانت منازل بني حسن بن حسن بن علي».

وقال الفيرزابادي في «المغانم المطابة» 2/858: «سويقة: تصغير ساق موضع قرب المدينة يسكنه آل علي بن أبي طالب رضي الله عنه».

وقال السمهودي في «وفاء الوفاء» 4/1239: «سويقة… عين عذبة كثيرة الماء بأسفل حزرة على ميل من السيالة ناحية الطريق يمين المتوجه إلى مكة، لولد عبد الله بن حسن».

وأما حزرة التي بالقرب من سويقة والسيالة فهي لبني الحسن بن علي رضي الله عنهما كما نص على هذا البكري في معجم ما أستعجم 1/126: «الحزرة: بفتح أوله وإسكان ثانيه وبالراء المهملة: موضع تلقاء سويقة وهو مال لآل حسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه».

وقال الزمخشري في الجبال والأمكنة والمياه ص69: نقلاً عن الشريف عُلَي بن وهاس: «وما بين شرف السيالة، والسيالة أرض تطؤها طريق الحاج، فأودية القبلية، التاجة وحزرة ومثغر والرس وحورة».

ويين موضع بالقرب من الحورة التي أسفلها سويقة. قال الزمخشري الجبال والأمكنة والمياه ص84 ونقله عنه ياقوت في معجم البلدان 4/353: «يين عين بواد يقال له حورتان وهي اليوم لبني زيد الموسوي من بني الحسن».

وبمثله في الجبال والأمكنة والمياه: 84، وفي وفاء الوفاء: 4/1335، وفي المغانم المطابة: 3/1160. وزيد المذكور هو ابن موسى الثاني أخو محمد الأكبر ومحمد الأصغر أبني موسى الثاني فدياره هي ديار قومه وبني أبيه.

وعرف البكري حورة التي لزيد هذا في معجم ما استعجم 1/47 بقوله: «وبحورة الشامية هذه كان ينزل محمد بن جعفر الطالبي، في بقاع بن دينار، أيام كان يقاتل بن المسيب. والحورة: الشعب في الوادي. ومن أودية الحورة واد بنزع في الفقارة، سكانه بنو عبد الله بن الحصين الأسلميون والخارجيون، رهط الخارجي الشاعر، وهم من عدوان، تزعم جهينة أنهم حالفوهم في الجاهلية. وبأسفل الحورة عين عبد الله بن الحسن، التي تدعى سويقة».

فبعد أن علم أن مراد ما جاء في النسخة المطبوعة لـ«لباب الأنساب» لابن فندق هو الثمام، وبيان السقط الحاصل فيها بجعلها من المثلثة للمثناة، وما تقدم من الشواهد والقرائن الجغرافية أنها من منازل الحسنيين بالحجاز، كل ذلك يدل على أن المراد بمحمد بن عبد الله المنقرض عقبه هو محمد الأصغر، ويؤكد هذا أيضاً ما ذكره ابن فندق نفسه عن قوله الذي أشكل على الكاتب ما نصه: «أبو عبد الله محمد الأصغر بن موسى الثاني بن عبد الله السويقي له عدد وجماعة بالحجاز والبادية من الأمراء والأجلاء».

فهذا كلام مجمل في الديار، وما تقدم تفصيل له، حيث ذكرنا منازل بني الحسن، ومنها يتبين مراد ابن فندق، بل إنه إذا قيل عن بادية ولد عبد الله بن الحسن في الحجاز عند المتقدمين فبالاستقراء يكون مقصودهم منها الديار التي ذكرنها آنفاً، ومن صريح كلام العلماء في ذلك: وصف ياقوت لها بأنها مُـتَبدَّى بني الحسن.

ويشهد لهذا ما ذكره محمد بن القاسم الرسي من ولد القاسم الرسي بن ابراهيم طباطبا بن إسماعيل بن إبراهيم الغمر الشبه ابن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ورحمهم الله المتوفى سنة 284هـ في كتابه الهجرة والوصية ص: 67-70، عند وصيته لولده بسكنى البادية وتعريفه لبادية بني الحسن لهم وذكر منهم بني زيد بن الحسن وبني عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم حيث قال: «ولم يـزل من مضى يا بني من الأسلاف من قومكم في قديم الزمان، تكون لهم البوادي ويتخذونها ويسكنونها في كل بلدة وبكل مكان، ولم يزل الأشراف قط يتبؤون البادية ويعتزلون عن القرى والمدن في الصحاري والبرية في كل ناحية.

فاعتزل في أول الـدهر والناس حينئذ ناس في أكبر الشأن والأمر، بنو حسن فَتَـبَدَّوْا، أولهم زيد بن الحسن بن علي عليهم السلام في بادية من المدينة تسمى البطحاء على أربعة أميال، فاحتفر بها بياراً، وبنى بها مساكن متباعدة بعضها من بعض ودوراً، فلم يزل بها بنو حسن بن زيد حتى فرقتهم منها هذه الفتن التي وقعت بالحجاز فكانوا أصح قوم أبداناً، و أجلدهم جلداً و أظهرهم و أنظرهم ألواناً.

واتخذْ يا بني! عمُّكم عبد الله بن الحسن فيما مضى من الدهر والزمن بادية لنفسه وولده من سويقة، وأكنافها وأوديتها و شعابها، فاحتفر بياراً وعيناً بالحَزْرَة في قربها، فيها بنو عبد الله ابن الحسن بن الحسن إلى اليوم، و بعضهم قد اتسعوا و حلوا في بوادي ينبع والغور.

فبنو عمكم بنو عبد الله بن الحسن يا بني منذ نزلوا البادية، أكثرُ قومكم عدداً، وأجلدهم جلداً، وأوسعهم منازل وبلداً، وأكثرهم في معائشهم ارتفاقاً بالمواشي من الإبل والغنم، فأقربهم لمجاورتهم العرب إلى أخلاق الحرية والكرم، قد دربتهم وخرجتهم البادية وأهلها، فجلدوا واشتدت أبدانهم في منازلهم إن حضروا، وقووا على السفر إذا احتاجوا إلى أن يسافروا فهان وخف عليهم في السفر سرى الليل، وكبارهم و صغارهم يركبون صعاب الرواحل وصعاب الخيل، رجال ذووا رجلة، مخشوشنون بأدنى اللباس والغذاء مكتفون، قد زال عنهم بسكنى البادية الاسترخاء، والتفكك والوهن والكسل… ولآل الحسيـن: بوادي العقيـق والعريض في البوادي والخلوات.

ولآل جعفر: بوادي الفرش، وبوادي الغور، فلكل بطن منهم بوادي ومعتزلات، ولهم منازل في البوادي والخلوات… وكان يقال لا يتم شرف قوم من الأشراف حتى تكون لهم بادية.

ولم يزل يا بني كل من يتمعض، ويأنف ويتمرأ، وإنْ لم يكن ذا دين من بطون أشراف قريش إلَّا ولهم بادية، بل لكل بطن منهم بواد و معتزلات، و منازل في البوادي وخلوات».

وهناك رسالة في بادية الأشراف بالحجاز وتاريخها([11]) بعنوان «المجاز بذكر بادية أشراف الحجاز».

وبما تقدم عُلم أن مراد ابن فندق بالذرية المنقرضة ذريةُ محمد الأصغر بن موسى الثاني التي كانت لها بقية وعقب بالحجاز كما أوضح ذلك هو بنفسه، وأوضح أنها انقرضت بالثمام بالمثلثة، والثمام موضع بالحجاز. ولا يلزم من قول ابن فندق عن عقب محمد الأصغر أنهم بالحجاز والبادية أنهم في جميع الحجاز، فالبادية المقصودة عند المتقدمين لبني الحسن هي في ناحية معينة جنوبي المدينة المنورة على ساكنها وآله أفضل الصلاة والسلام إلى ينبع والتي تقدم التفصيل عنها، وأما قوله بالحجاز فهو جزء منها حدده في موطن آخر من كتابه بالثمام، وقد جاء كثير مثل هذا في كتب النسابين بوصف الموضع وقولهم عن عقبه أنهم بالحجاز وقريب منه، كنحو قول ابن عنبة في «عمدة الطالب» ص: 142، عن عقب علي العمقي بن محمد الأصغر بن أحمد المسور بن عبد الله بن موسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ما نصه: «أما علي العمقي، وهو منسوب إلى العمق منزل بالبادية، كان ينزله وولده يعرفون بالعميقيين ويقال لهم العموق أيضاً وهم عدد كثير بالحجاز…». والعمق في الحجاز بنواحي المدينة موضعين بنفس الاسم.

قال الفيروز أبادي في «المغانم المطابة» 3/959: «العمق بفتح أوله، وسكون الميم، بعده قاف: واد يسيل في وادي الفرع، ويسمى عمقين، لقوم من ولد الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم… والعمق أيضاً: موضع آخر قرب المدينة من بلاد مزينة». ومثله ذكره السمهودي في «وفاء الوفاء»: 3/392، والشريف عُلي في الجبال والأمكنة للزمخشري:62. فهنا وصف ابن عنبة ذرية علي العمقي المنسوبين للموضع أنهم بالحجاز.

وقال ابن عنبة أيضاً في «عمدة الطالب» عن عقب عبد الله العالم بن الحسين بن القاسم الرسي ص206 ما نصه: «وأما عبد الله العالم بن الحسين بن الرسي فله عقب كثير بالحجاز وعقبه من جماعة منهم إسحاق بن عبد الله العالم، عقبه بادية بالحجاز».

والمعلوم أن أعقاب بني الرسي في الرس من أودية المدينة القبلية أعلى حزرة وسويقة بنحو من 20 كيلاً وقد ذكره الشريف عُلي فيما تقدم نقله عن ياقوت عنه. وكان خروج عبد الله العالم إلى اليمن عند أخيه الهادي يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي من الرس هذا بما هو معروف ومشهور وآثار قبورهم وأنسابهم في شواهدها الحجرية كانت بها إلى زمن قريب، ومنها ماله علاقة نسب بعبد الله بن الحسين هذا.

وفي كتب الأنساب نحو من هذا كثير من تسمية مواضع منازل بني الحسن بالحجاز على موضع معين بمثل ما ذكرنا فينظر فيها بمزيد عن هذا.

والخلاصة أنه لا إشكال ولا تعارض حينئذ فيما ذكره ابن فندق من أن عقب محمد بالثمام وأنهم بالحجاز والبادية إذ المراد واحد كما تقدم بيانه بوضوح كافٍ. ولا معارضة لها أيضاً مع ذكر أعقاب لمحمد الأكبر في ابنه الحسين وما تناسل منهم وبين ذكره لمحمد المنقرض الذي لا ينطبق إلا على ذرية محمد الأصغر التي انقرضت كما نص ابن عنبة وغيره بعد أن كان لها وجود في الحجاز وخاصة في متبدى بني الحسن بن علي الذي نص عليه ياقوت. فكلام العلماء يفسر بعضه بعضاً، ولا يتعسر إلا على من أخذه من غير جمع وتحقيق.

وما ذكرناه هنا من فهم لكلام ابن فندق من أن المقصود بالمنقرض عقبه هو محمد الأصغر بن موسى الثاني هو ما فهمه علماء النسب من قبل كما ذكره ابن عنبة في عمدة الطالب عند حديثه عن أعقاب موسى الثاني المعقب وغير المعقب وهو متفق مع إيراد ابن فندق الذي فصل في ذرية موسى الثاني ممن لا عقب لهم وانقرضوا ثم أتبع ذلك بعده بقليل الحديث عن عقب محمد الأكبر بن موسى الثاني مستقلاً بقوله 2/527: (فصل في أنساب أمراء مكة حرسهم الله) ثم ذكر جملة من أعقابه في حين عند جزمه بانتهاء العقب في عبد الله بن محمد موسى الثاني وانقراض عقب محمد بن موسى الثاني لم ينعت محمد بالأكبر بما يدل على أن التغاير في الأشخاص مقصود في عبارته وأنهم مختلفون وهذا لا يحتاج إلى مزيد بيان!!!

ومن رجع لتمام الكلام في اللباب لابن فندق والعمدة لابن عنبة وجد ما ذكرناه جلياً بالتوافق بينهما مع تنصيص ابن عنبة أن المعقب محمد الأكبر والمنقرض محمد الأصغر الذي يدل على أن هذا هو الفهم الصحيح لكلام العلماء ومرادهم.

وبهذا يظهر أن الكاتب في وصفه كلام ابن فندق بالتناقض وجرأته عليه برميه بالتسرع في النفي، ووصف أقواله بالآفة العظيمة: أن هذه الأوصاف كلها تنطبق عليه هو بتسرعه، وهذه هي الآفة العظيمة حقاً، بعدم التحقيق والفهم لكلام العلماء، والمجازفة بالتطاول على أئمة علم النسب الأكابر بمثل تلك العبارات، وهم الذين حرروا وضبطوا، وجمعوا حتى وصلنا هذا العلم بأبهى حلة وأحسن طريقة وتصنيف.
 





  رد مع اقتباس
قديم 05-05-2010, 05:17 AM رقم المشاركة : 3 (permalink)





الشريف النموي غير متواجد حاليآ بالمنتدى

افتراضي

الوهم الثالث:

خلط الكاتب وعدم معرفته باصطلاحات العلماء وقراءتها وفهمها الفهم الصحيح، وتنزيلها كما أراد العلماء بوضعها في مرادهم وذلك عند قوله: «ثم إن ابن فندق فسر عبارته (لا عقب له) في كتابه بتفسيرين، ولم يرجح أحدهما، الأول: قوله (لا عقب له): خلاف بين النسابين، فقوم يقطعون على واحدٍ أنه لا عقب له، فإن رجح ابن فندق هذا التفسير ـ أي على واحد أنه لا عقب له ـ يكون قد ناقض نفسه، فقد ذكر في كتابه «لباب الأنساب» أن لعبد الله ابناً اسمه محمد. وأما تفسير ابن فندق الثاني لقوله: (لا عقب له: قوم يشكون فيه وفي عقبه)، فإن رجح ابن فندق هذا التفسير، يكون بشكه هذا قد خالف جمهور المحققين من علماء النسب ومؤرخي مكة المتقدم ذكرهم». انتهى.

وهذا تكلف عجيب من الكاتب في حمل كلام ابن فندق على غير محمله، وما يريد من محاولة إظهار وجود شبهةٍ خللٍ في أعقاب محمد الأكبر وابنه عبد الله الأكبر بزعم التناقض عند ابن فندق والمخالفة لكلام المحققين من العلماء، والحقيقة الواضحة أن ما ذكره هذا الكاتب في وادٍ وكلام العلامة ابن فندق في واد آخر، وعفا الله عمن ألزمنا ببيان هذا التخليط المؤسف.

ولكي نتناول هذا الكلام بتفنيد أوهامه، نقول:

أولاً: كلام الكاتب هذا ساقطٌ من أساسه بعدما بيّنّا أن كلام ابن فندق ليس مخالفا لاتفاق النسابين على صحة نسب قتادة بن إدريس جدّ ذريته من الأشراف، وأن ابن فندق لم يدع انقراضَ ذرية عبد الله بن موسى جد قتادة، كما ادعى الكاتب، وأن الذي ذكر انقراضَ عقبه هو شخصٌ آخر غيره، وأن هذا ظاهرٌ في كلام ابن فندق غير خفي كما تقدم بيانه وتفصيله ؛ فما كان لابن فندق أن ينقل الاتفاق إلا على ما الاتفاقُ واقعٌ عليه, من صحة هذا النسب واستمرار هذه الذرية المباركة المعلومة باضطرارِ التواتر ويقينيةِ الاستفاضةِ الكاملة.

وهذا الرد كاف للرد على تخليط الكاتب (عفا الله عنه), ويدل على أن جد آل قتادة خارجٌ عن كلام ابن فندق، وأن محاولة الكاتب تنزيل كلام ابن فندق عليه لا مكان له ولا مجال لإيراده فيه. ومع ذلك فزيادة منّا في الإفادة: نودُّ بيان معنى ما ذكره ابن فندق.

ولذلك نتمّم الجواب، فنقول:

ثانياً: أن ابن فندق في مقدمة كتابه كان يتكلم عن بعض إطلاقات النسّابين، وعن معانيها، ومتى يستخدمونها، واختلاف بعض مواقفهم في طريقة تعبيرهم عن الأنساب المقطوع بعدم صحتها أو التي يُشكُّ في عدم صحتها. ولم يكن ابن فندق في هذه المقدمة متكلّماً عن اصطلاحه هو في كتابه, أو ما هو ترجيحه كما توهّم الكاتب، وحاول تقريره بوضع احتمالات في معرفة ذلك الترجيح.

وبالرجوع للنسخة المطبوعة لكتاب ابن فندق في «اللباب» يظهر ذلك جلياً، حيث جاء فيها ما نصه: «فصل: وعلماء الأنساب يقولون: مات ودرج وانقرض ولم يعقب، وفي كل لفظ فائدة يعرفها أرباب تلك الصناعة، فأصل درج كما ذكر الجوهري في كتاب الصحاح: مشى، يقال: درج الرجل والضب يدرج دروجاً ودرجاناً، أي مشى، ودرج أي مضى لسبيله، يقال: درج القوم إذا انقرضوا والاندراج مثله، وفي المثل: أكذب من دب ودرج، أي: أكذب الأحياء والأموات، قال الأصمعي: درج الرحل إذا لم يخلف نسلاً. فأهل المغرب يطلقون لفظ درج على من مات فحسب، وأهل العراق يطلقون لفظ درج على من انقرض ولم يخلف نسلاً.

والأصل في درج أي مات ولم يخلف نسلاً، وانقرض، أي: كان له عقب فانقرض هو وعقبه. والشبهة في الأنساب تقع من هذا اللفظ: لأن من انتمى إلى من لا عقب له، أو له عقب فانقرض كان مدعياً، وفي من لا عقب له خلاف بين النسابين، فقوم يقطعون على واحد أنه لا عقب له، وقوم يشكون فيه وفي عقبه، وهاهنا تسكب العبرات».

فيتضح من هذا النص أن ابن فندق كان يتحدّث عن أحد وجوه الاختلاف بين النسّابين، ولم يكن في سياق بيان اصطلاحه هو في كتابه .

ثالثاً: مراد ابن فندق (إذا صحت العبارة في مطبوع كتابه): أن يبيّنَ أن بعض النسّابين ربما قالوا عمن كان له نسب ثم انقرض: «انقرض»، وربما قالوا هذه العبارة نفسَها: «انقرض» عمن لم يُعْقِبْ أصلا، وهذا ربما كان سبباً في الاشتباه؛ لأن هناك فرقا كبيراً بين من كان له نسبٌ وذرية، لكنها انقرضت، ومن لم يكن له ذريةٌ أصلاً. وكان يتمنى ابن فندق (بحرقةِ: هنا تسكب العبرات) أن يكون النسابون قد اتفقوا على التفريق بين الحالتين.

وسبب هذه الحرقة: أن اختلاف النسابين المذكور جعل الواقفين على كلامهم ممن جاء بعدهم يختلفون فيمن قيل عنه انقرض؛ لاحتمال أن الانقراض قد قُصد به عدم إعقابه وأنه لم يكن له ذرية، ولاحتمال أن يكون قد قُصِدَ به أنه أعقبَ ذريةً، لكن ذريته هذه قد انقرضت من بعده، بجيل أو جيلين أو أكثر. ولذلك فقد كان بعض النسابين إذا وقف على عبارة «انقرض» يقطع بالمعنى الأول: أي أن فلاناً لا عقب له، وآخرون يشكون في بعض الأنساب المنقرضة التي قيل عن جدهم إنه انقرض؛ لورود احتمالين على قولهم «انقرض»: الاحتمال الأول: أن تكون أصولُ أنسابِهم المنقرضة صحيحةً، لكون من ينتسبون إليه قد أعقبهم فعلا، ثم انقرضوا هم من بعده. والاحتمال الثاني: أن يكون انتسابهم غيرَ صحيحٍ من أصله؛ لأن الشخص الذي انتسبوا إليه مات ولم يكن له ذرية أبداً، فلا عقب له أصلاً. ولورود هذين الاحتمالين على قولهم «انقرض»، توقّف بعض النسابين عند الشك، دون القطع. وهنا تُسكب العبرات لعدم قدرة الباحث (في بعض الأحيان) على القطع؛ بسبب احتمال عبارة «انقرض» للمعنيين السابقين.

فهو عندما قال: «فقوم يقطعون على واحد أنه لا عقب له، وقوم يشكون فيه وفي عقبه» يقصد: أنه إذا قال بعض المتقدمين من النسابين عن رجل إنه انقرض، ثم ورد أن أحدا قد انتسب إليه، اختلف النسّابون المتأخرون في هذا الذي انتسب إليه: فمنهم من يقطع بعدم صحة دعوى نسب هذا المدّعِـي؛ لأنه فَهِمَ قولَ من سبقه من النسابين عن أحد رجال عمود النسب المدّعَى «بأنه انقرض نسبُه» على قَصَدَ بذلك: أن ذلك الرجل لم يكن له أبناء أصلاً، وبذلك جزم أولئك النسابون بأن الذي ادّعى الانتسابَ إليه مدعٍ كاذب في دعواه؛ لأن الرجل الذي انتسب إليه لا عقب له أصلاً. وآخرون من النسابين لهم موقفٌ مختلف: فهم يشكون في هذا النسب المنقرض، فقد يكون المنتسب إليه مدّعياً كاذباً؛ لأن من انتسبوا إليه قد مات ولم يكن له ذرية أبداً، فلا عقب له أصلاً, وقد يكون صادقاً، لأن من قيل عنه «انقرض» قد كان له ذرية، كان هذا المذكور منهم هو وذريته التي انقرضت من بعد. فبسبب هذا الاحتمال يشك هذا القسمُ من النسابين، ولا يقطعون؛ لاحتمال عبارة «انقرض» للمعنيين كليهما، كما سبق بيانه.

وهذا كله: من القطع والشك إنما يخص الأنساب المنقرضة، التي لا خلاف في انقراضها. وإنما يقع الاختلاف بين النسابين بسبب هـذا الاختلاف بينهم فـي دلالـة «انقرض»: في جيل الانقراض، وفي زمنه, وعند من انقطع النسل تماماً، مع اتفاقهم على انقراض ذلك النسب الذي اتفقوا فيه على التسليم لمن نَقَلَ فيه الانقراضَ من أئمة النسب.

هذا هو معنى كلام ابن فندق الذي تدل عليه عبارته حسب مطبوعته، والتي إن التمسنا العذر للكاتب في عدم فهمها، بسبب ضعف إحكام عبارته فيها (إن صحّت المطبوعة)، فإننا نلومه على إبعاده الشديد في فهمها، وفي تنزيلها على التشكيك في الأنساب المتفق عليها!!

رابعاً: أن معنى انقرض ولا عقب له مؤداهما واحد. فانقرض تدل على أنه كان له عقب ثم انتهى ولا بقية له، ولا عقب له هو أنه لا ولد له وكلاهما يؤدي معنى أن الشخص لا عقب ولا بقية له. ألا ترى أن بعض النسابة يقول عن فلان لا عقب له في زماننا، والآخر يقول انقرض عقبه والمعنى فيهما واحد. فاستخدام هذه الألفاظ للدلالة على انتهاء العقب وأنه لا بقية له مما يقوم بعضها مقام بعض وأحياناً تكون واضحة وأحياناً يدل السياق عليها أو بجمع كلام العلماء بعضه مع بعض ولذلك وجد من علماء النسب من يستخدم عبارة لا عقب له للدلالة على انتهاء العقب بعد أن كان له بقية وهي في المحصلة بمعنى انقرض وانتهى عقبه. فما تقدم من المعاني المتقاربة التي تؤدي لمعنى واحد أو قريب منه.

ومما يذكر أن معنى انقرض يستخدم في معنى لا عقب له بأنه لا ولد للشخص. وهذا يذكر عن بعض علماء النسب فجاء في كتاب علم النسب لغته. مصطلحه. رموزه في القسم الثاني في حرف الدال ص86، 87:

«درج يقال فلان درج أي مات ولا عقب له، أي انقرض ولم يخلف نسلاً، أو من كان لا ولد له، ولعلها من المصطلحات وقد يخففونها برج، أو ج. وقيل: إن درج فلان إذا مات صغيراً قبل أن يبلغ مبلغ الرجال. قال الأصمعي: درج الرجل إذا لم يخلف نسلاً فأهل المغرب يطلقون لفظ الدرج على من مات فحسب، وأهل العراق يطلقونها على من انقرض ولم يخلف نسلاً، من درج: أي مات ولم يخلف نسلاً. أقول ـ يعني مؤلف علم النسب ـ: درج ـ كما في صحاح الجوهري ـ المشي، ودرج: أي مضى سبيله، يقال درج القوم: إذا انقرضوا والاندراج مثله».

خامساً: إن تكرار محاولة إيجاد فرضية التناقض هذه في كلام ابن فندق يومي بأن الكاتب يحاول تقرير هذه الشبهة في الأذهان. فتكرار وقوفه عليها وحشده لما يشيدها والتمحل في فهمها وتحميله لها ما لا تتحمل يشهد لذلك. ولولا أننا لا نريد أن ندخل في النيات، ونريد أن نحسن الظن قدر المستطاع، لكان لنا (وربما لآل قتادة كلهم) منه موقف آخر يناسب ذلك الإيماء والتلميح! لكننا نكتفي الآن ببيان سقطاته وتخـبُّـطاته، ونحملها على أحسن المحامل، وهي أنها وقعت منه بجهل، ودون تعمّد.

الوقفة الرابعة

جراءته على العلامة ابن فندق ووصفه له بأنه صاحب تسرع، ومجازفات، وأن كتابه حافل بالتسرع في النفي، وذلك عند حديث ابن فندق عن أنساب أهل بلاد المغرب الأدارسة والسليمانيين.

ومثل هذه العبارات لا تليق بطالب علم أمام أولئك الأعلام الكبار الذين كانوا أهل السبق في تدوين هذا العلم، وتأصيل قواعده، والذين ليس لهم منا إلا الاعتراف بفضلهم، وجهدهم العظيم، وهم بشر يصيبون ويخطئون ولا عصمة فيما نقل إلينا إلا في كتاب الله وما صح عن نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

ولكن للعلماء وأهل الفضل حق في الاعتذار والتأول لهم، وحملهم على أحسن المحامل كابن فندق وأمثاله ممن خدموا النسب الشريف فكونه حصل منه خطأ في أنساب أهل المغرب فإن الأولى واللائق أن يعتذر له بأنه يكتب عن بعد، وأن الخلل فيمن نقل له، ومثل ابن فندق يبعد أن يتعمد الخطأ في الأنساب، وخاصة النفي.

علماً أن من يكتب في أقاصي بلاد المشرق الخطأ في مثل هذا متوقع منه خاصة مع ما تعرضت له دولة الحسنيين في المغرب من المصائب والخطوب التي أخفت كثيراً من أخبارهم كنحو ما حصل لهم من الدول التي أزالت دولتهم، إضافة إلى البعد الشاسع بين الديار.

وقد أشار لمثل هذا النسابة العلامة المعروف بابن الحاج السلمي أحد كبار علماء النسب بالمغرب في كتابه «الإشراف على بعض من بفاس من مشاهير الأشراف» ص1/106، عند حديثه عن أعقاب إدريس بن إدريس بن عبد الله المحض رضي الله عنهم حيث قال:

«وكان للكثير منهم في الأجيال الماضية الشهرة التامة، لكن اختلاف الأحوال وشدة الخطوب والأهوال وأذى الملوك الذين اغتصبوا خلافتهم أدى الكثير منهم إلى الاختفاء والدخول في غمار العامة، فغطى ذلك على أنساب الكثير منهم، وسلبهم الشهرة، وكلا الحالين منة من الله فإن من أبقى عليه حلة الشهرة جعلها كرامة عاجلة، والمرجو من إحسانه أن يعطيه أكثر منها أجلة ومن لا فقد ادخرها له ليوم القيامة».

ولهذا كان النسابة ابن عنبة وهو بالعراق صاحب احتياط مع أنساب بني إدريس في أن يتكلم فيهم بغير علم لبعد ديارهم وخفاء أخبارهم عنه فقال عنهم في «عمدة الطالب» ص186 بعد ذكر أصول أنسابهم ومحالهم التي نزلوا فيها ببلاد المغرب مع تصحيحه لبقائها ما نصه:

«فأعقب إدريس بن إدريس بن عبد الله من ثمانية القاسم وعيسى وعمر وداود ويحيى وعبد الله وحمزة وقد قيل أعقب من غير هؤلاء أيضاً، ولكل منهم ممالك ببلاد المغرب، بها ملوك إلى الآن… وبنو إدريس كثيرون وهم في نسب القطع يحتاج من يعتزي إليهم إلى زيادة وضوح في حجته لبعدهم عنا وعدم وقوفنا على أحوالهم».

وقال عن عقب سليمان بن عبد الله المحض أخو إدريس المعقب ببلاد المغرب في «عمدة الطالب» ص182 ما نصه: «وهم في نسب القطع أى انقطعت أخبارهم عنا واتصالهم عنا قال الشيخ أبو الحسن العمري قال أبو الحسين ـ يعني شيخ الشرف محمد بن أبي الحسين العبيدلي النسابة: لم أسمع لهذا الفخذ خبراً إلى هذه الغاية ثم… ولا شك أن بني سليمان بن عبد الله بالمغرب إلى الآن وهم أقل من ولد إدريس بن عبد الله المحض».

وقال أبو الحسن العمري في «المجدي» ص61:

«وجميعهم بالمغرب في جملة أنساب القطع ولم أسمع لهذا الفخذ خبراً إلى هذه الغاية والله أعلم بهم هذا لفظ أبي الحسن ـ يعني شيخ الشرف العبيدلي».

وقال شيخ الشرف العبيدلي في «تهذيب الأنساب ونهاية الأعقاب» ص61:

«والعقب من ولد سليمان بن عبد الله بن حسن بن حسن من رجل واحد: محمد بن سليمان قتل بفخ، والعقب من محمد ابن سليمان بن عبد الله من عبد الله بن محمد، وأحمد بن محمد، وإدريس بن محمد، وعيسى بن محمد، وإبراهيم بن محمد، والحسن ابن محمد، والحسين بن محمد، وحمزة بن محمد، وسليمان بن محمد، وعلي بن محمد. فأما عبد الله وأحمد والحسن وإدريس فلهم أولاد، وباقي إخوتهم لم يصل إلي فرع لهم، والجميع بالغرب في جملة نسب القطع. فهؤلاء ولد سليمان بن عبد الله بن حسن بن حسن.

أولاد إدريس بن عبد الله المحض: والعقب من ولد إدريس ابن عبد الله بن حسن بن حسن ـ وهو الأصغر من ولد عبد الله ابن حسن بن حسن ـ من إدريس بن إدريس وحده والعقب منه في بلد القيروان من الغرب في جماعة أسماؤهم: عبد الله له عقب، والقاسم له عقب، ومحمد له عقب، ويحيى له عقب، وعمر له عقب. فأما أحمد وعيسى وحمزة وجعفر وسليمان وداود وجميع ذلك في صح، وأما ما ذكرنا منهم بالتعقيب فنسبهم في جملة نسب القطع وقد شرحنا ذلك في الكتاب الكبير في نسب آل أبي طالب الذي سميناه الكامل، ومواضع بلدانهم ومنازلهم، وقد دخل قوم منهم القاهرة ومصر والشام ولهم بقية في الأندلس وفي بلاد صماي وأمرهم على ثبت وصحة».

فهاهم يصححون أنساب أهل المغرب، وأنهم على ثبت وصحة، ولهم بها ممالك؛ إلا أن أخبارهم وتفاصيل أنسابهم قد خفيت عليهم.

وبعد هذا الإيضاح بعدم حصول المعرفة الكافية لعلماء المشرق في أنساب، وأعقاب من في بلاد المغرب من بني الحسن، يظهر لنا عذرهم في قلة درايتهم بأنسابهم وأخبارهم، وأنه قد يحصل الخطأ منهم فيها. وأما اليوم (مع توافر طرق الاتصال الشخصي والمعرفي بهم وبعلمائهم، ومع سهولة الوقوف على المعلومات من مظانها الأصيلة والموثوقة): فإن الوضع قد اختلف، والمصادر التي تحدثت عن أنساب بني إدريس وسليمان بن عبد الله المحض متوافرة، والمعتنون بأنسابهم كثر، ومن أراد الوصول إليها سهل عليه ذلك، خاصة إذا كان قد أخذ أنسابهم عن الثقاة منهم، فبيوت العلم المأمونة فيهم كثيرة.



الوقفة الخامسة

نحن مع قناعتنا التامة بصحة أصول نسب الأشراف الهواشم الأمراء المعروفين بسادة فليتة أو السادة الأمراء بما ذكرهم به ابن عنبة في «عمدة الطالب» حيث قال: «وأما أبو هاشم محمد بن الحسين الأمير بن محمد الثائر وولده يقال لهم الهواشم، ويقال لهم الأمراء أيضاً وهم ببطن مر».

وبما لهم من شهرة واستفاضة أنهم: سادة فليتة أو الهواشم والأمـراء وأن بقيتهـم اليـوم بـوادي مر الـمعروف بـوادي فاطمة.

نستغرب من الكاتب إقدامه على مثل هذا المقال الضعيف، وتوهينه ما ليس بواهن، واستشكاله ما ليس بمشكل، وإعراضه عما بان الإشكال فيه، وتركه ما يخصه ويعنيه ويهمه أكثر؛ إذ الواجب عليه ـ بدلاً من تحميل الكلام الواضح لابن فندق ما لا يحتمل، وتنزيله على غير ما أراد بتكلف ظاهر، واستشكاله فيه ما ليس بمشكل، ورميه بالتناقض، وزعم أن هناك من يشكك في الثابت والمسلمات من الأنساب الواضحة وإثارة الشبهات فيها، وهي أمور بينة وظاهرة لمن تدبرها: أن يناقش كلام ابن فندق ـ والذي أعرض عن ذكره تماماً بما يدعو للتساؤل ـ بالبينات والحجج الواضحات، وذلك فيما ذكره ابن فندق في كتابه «اللباب» ص: 527، من أن فليته بن القاسم أعقب من أربعـة أبنـاء، هم: عبد الله ويحيى وعيسى وهاشـم، ـ وليس منهم حسين الذي ساق إبراهيم الأمير في كتابه (تحقيق منية الطالب) و(مشجرة الإرواء) نسبهم إليه، واعتمده، بأنه جد الهواشم الأمراء الموجودين اليوم الهواشم الأمراء اليوم ـ حيث قال ابن فندق ما نصه: «وللأمير فليتة: عبد الله ويحيى وعيسى وهاشم».

وقال أيضاً في ص531: «والعقب من الأمير فليتة: الأمير هاشم، والأمير يحيى، والأمير عبد الله، والأمير عيسى». ثم ذكر شيئاً من أخبارهم، ووصف بعضهم جسدياً، بما يدل على معرفته بحالهم، خاصة أنه معاصر لهم.

وذكر مثل هذا ابن عنبة في «عمدة الطالب» ص162 بقوله:

«فولد الأمير فليتة عدة رجال منهم: الأمير تاج الدين وعمدة الدين هاشم أخذ مكة سيفاً من أخوته وعمومته، وكان أخواه يحيى وعبد الله قد نازعاه الملك فغلبهما عليه. ومنهم الأمير قطب عيسى بن فليتة».

وبمثله جاء في مناهل الضرب في أنساب العرب ص: 268.

فهذه العبارات المشكلة في الظاهر لا تشكك عندنا في أصول أنسابهم وصحتها، وأنهم من عقب أبي هاشم محمد بن الحسين الأمير بن محمد الأكبر بن موسى الثاني، وأن بقيتهم إلى اليوم هي التي ترجع لتلك الأصول بوادي مر المعروف بوادي فاطمة. فرجوعهم لتلك الأصول صحيح مشهور لا شك فيه عندنا، وإن وقع في عمود نسبهم من الاختلاف المشار إليه آنفاً ما وقع.

هذا ما جرى تحريره لدفع تلك الأوهام التي وقع فيها الكاتب إبراهيم بن منصور الأمير، ولتوضيح الإيهام الحاصل في مقاله، حتى لا تكون مقالته تلك ذريعة للمغرضين، وعتبة للمشككين بجهل، فيكون وزرها على من جعل من لا شيء شيئاً، ومما لا يستحق المناقشة أمراً كأنه يستحق الالتفات إليه، والتي لم يسبق إلى ادعائها والتفوّه بها ذو لب وبصيرة في العلم بمثل ما فعل الكاتب، فعفا الله عنه، وأرشده الله إلى الصواب والقول الصحيح .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، ومن سار على نهجهم ليوم الدين.

والحمد لله في البدء، وفي الختم

كتبه

الشريف شاكر بن ناصر بن مستور العبدلي الفعر
الشريف محمد بن حسين بن محمد الصمداني
الشريف عصـام بن ناهض بن محسن الهجـاري

في 15/4/1431هـ






فهرس الموضوعات

الموضوع الصفحة

مقدمة بقلم الشريف هزاع بن شاكر العبدلي…………….. 5

مقدمة بقلم الدكتور حاتم بن عارف العوني…………… 13

* الوقفة الأولى……………………………………. 29

* الوقفة الثانية……………………………………. 36

* الوقفة الثالثة……………………………………. 40

الوهم الأول…………………………………. 40

الوهم الثاني…………………………………. 55

الوهم الثالث………………………………… 82

* الوقفة الرابعة…………………………………… 92

* الوقفة الخامسة………………………………….. 98




--------------------------------------------------------------------------------
([1]) بالصك الشرعي رقم (115/4/ج) وتاريخ (2/2/1430هـ) الصادر من فضيلة الشيخ محمد بن أمين بن عبد المعطي مرداد القاضي بالمحكمة الجزائية بمحافظة جدة والمؤيد بقرار محكمة التمييز رقم (1068/ 2/1/ج) وتاريخ (6/6/1430هـ).

([2]) ومن ذلك أيضاً إخراجه لكتاب له هو تحقيق على مخطوط الدر النفيس في بيان نسب إمام الأئمة محمد بن إدريس الشافعي للعلامة أحمد بن محمد الحموي الحنفي. فقال في مقدمة تحقيقه: وقد دعاني لتحقيق هذا الجزء للفقيه السيد الحموي أمران:

1 ـ أنه قرر الحق في نسب الأمام الشافعي بأنه من صميم قريش.

2 ـ كونه فقهياً حنفياً، وقد خالف في هذه المسألة بعض الأحناف الطاعنين في قرشية الأمام الشافعي بغير حق. انتهى.

وكأن في نسب الشافعي خلاف يحتاج لهذه التقرير منه.

هذا مع أن المؤلف ما كان الداعي لتأليف كتابه هذا الدواعي التي أشار إليها المحقق لا من قريب أو بعيد بل إن سبب تأليفه هذا الجزء وهو جلالة وعلو مكانة الشافعي كعادة العلماء في التصنيف عن كبار الأئمة فقال الحموي في مقدمة كتابه هذا: حمداً لمن رفع لابن إدريس مقاماً علياً، وصاغ له من خالص العلم والتقى حلياً، وفضله على غيره من المجتهدين فكان عربياً قريشاً وصلاة وسلاماً على رسوله القائل: (عالم قريش يملأ الأرض علماً) وعلى آله وأصحابه المقتدين به أدباً وحلماً وبعد: فهذه مجلة رشيقة وروضة أنيقة تشتمل على بيان نسب إمام الأئمة ورباني هذه الأمة الإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله تعالى وبيان كنيته ولقبه أمليتها لأمر عرض اوجب التصدي لهذا الغرض، وذلك أنه جرى في الحضرة العلية العلوية، والسدة السنية الرضوية حضرة سيد الأشراف حقاً، المؤيد من السماء صدقاً، صفوة السلالة الفاطمية، وخلاصة العناصر النبوية، من نمته العرانين في هاشم آل النسب الأصرح إلى نبعة فرعها في السماء ومغرسها سرة بالأبطح. السيد الشريف الغني عن المدح والتعريف، مولانا وسيدنا السيد إبراهيم أفندي نقيب السادة الأشراف ـ عامله الله بخفي الألطاف ـ، ذكر عمود النسب، فتاقت نفسه الشريفة إلى الوقوف على ما ذكره علماء الأنساب في ذلك والتقصي عما هنالك فأحببت أن أتحفه بهذه المجلة السنية، واجعلها له هدية، عملاً بقول الشاعر:

ومن عز عن كل الأنام مقامه فأحسن ما يهدى إليه كتاب




فأقول وبالله التوفيق معتمداً في ذلك على ما قاله أرباب الضبط والتحقيق… الخ.

ثم شرع المؤلف في ذلك، وبشرح عمود نسب الشافعي والترجمة وذكر شيء من أخبار كل جد من أجداده، ثم تكلم عن مراتب الشرف في النسب، وعن مصطلح الشريف وماله تعلق بذلك إيجازاً.

فهذا ما عليه هذا التصنيف ودواعيه من مؤلفه، لا كما فعل المحقق بزعم أن هذا هو الحق في نسب وكأن ذلك ترجيح في مسألة من مسائل الخلاف المعتبرة وهي توضح اطراد منهج الكاتب في تتبع الأقوال الشاذة والمهجورة والتمحل والتسرع في فهم بعض العبارات النسبية وتنزيلها على غير مراد أصحابها والتي لا طائل من وراءها إلا إثارة أقوال مهجورة وشاذة لا قيمة لها عند العلماء.

([3]) ومنها نقله عن الحافظ ابن عبد البر الإجماع على ذلك في كتابه (الانتقاء) ص66 حيث قال: (لا خلاف علمته بين أهل العلم والمعرفة بأيام الناس من أهل السير والعلم بالخبر والمعرفة بأنساب قريش وغيرها من العرب وأهل الحديث والفقه أن الفقيه الشافعي رضي الله عنه هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد…) فما الطائل حينئذ من الكاتب على إثارة قول مهجور شاذ بالمرة غير متناقل ولا معلوم عند الناس، خاصة في زماننا.

([4]) عادة علماء النسب المتبعة هذه إذا كان للرجل ولدين باسم واحد يفرق بينهما بالأكبر لأحدهما والأصغر للآخر تمييزاً للسن كما هو صنيع أبو عبد الله مصعب الزبيري في نسب قريش فذكر ص29: عبد الله الأكبر وعبد الله الأصغر ابني علي بن عبد الله بن العباس، وذكر ص37: عباس بن عبد الله بن معبد بن العباس الأكبر، وذكر 41، 44: زينب الكبرى وزينب الصغرى وأم كلثوم الكبـرى وأم كلثـوم الصغرى بنات علي، وذكر ص57-59: علي الأكبر وعلي الأصغر وحسين الأكبر وحسين الأصغر أبناء علي بن الحسين بن علي، وذكر ص72: علي الأكبر وعلي الأصغر ابني حسين بن زيد بن علي بن الحسين، وذكر72: علي الأكبر وعلي الأصغر وجعفر الأكبر وجعفر الأصغر أبناء عمر بن علي ابن الحسين وذكر ص76: محمد الأكبر ومحمد الأصغر ابني عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب، وذكر ص83،82: عون الأكبر وعون الأصغر ابني عبد الله بن جعفر الطيار، وذكر ص84: عبد الله الأكبر وعبد الله الأصغر ابني عقيل بن أبي طالب، وذكر ص113: عبد الله الأكبر وعبد الله الأصغر بن عثمان . ومثله مبسوط، ومحرر في كتب أنساب الطالبية كالمجدي ص12-20 وغيره ففيها ذكر كثيـر من ذلك نحو: محمد الأكبر بن جعفر بن أبي طالب، ومحمد الأصغر بن جعفر بن أبي طالب، وعبد الله الأكبر بن جعفر بن أبي طالب، وعبد الله الأصغر بن جعفر بن أبي طالب، والعباس الأكبر بن علي بن أبي طالب، والعباس الأصغر بن علي بن أبي طالب، وعثمان الأكبر بن علي بن أبي طالب، وعثمان الأصغر بن علي، وعمر الأكبر بن علي، وعمر الأصغر بن علي، وزينب الكبرى بنت علي، وزينب الصغرى بنت علي، ومحمد الأكبر بن الحسن بن علي بن أبي طالب، ومحمد الأصغر بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عن الجميع وغيرهم ممن بسط العلماء ذكرهم في كتب النسب.

ومثل ذلك أيضاً: خلاف العلماء هل علي بن الحسين زين العابدين هو الأكبر أم الأصغر يعنون في السن فيفرق بينهما بذلك تمييزاً له عن أخيه علي بن الحسين الذي قتل في كربلاء.

([5]) لو كان هناك أدنى تشكيك في أصول نسب الشريف قتادة لكان ذلك أهم ذريعة لخصوم وأعداء قتادة ممن نزع منهم الملك في إثارة ذلك التشكيك، كالشريف مكثر من الهواشم الذي نزع منه حكم مكة بالقتال، أو من صارعهم في بسط النفوذ على الحجاز كالسادة الأشراف من أمراء المدينة بني حسين.

ولكان ذلك التشكيكُ طريقاً سهلاً وفرصةً لا يصح أن تُفوَّت للنيل منه ولإسقاطه، وما كان ذلك متعذراً على خصومه ومنافسيه، ولو وقع شيء من ذلك لتناقلته كتب التاريخ والنسب، ولما جاز (بمقتضى العادة التي لا تتخلف في مثله) أن لا يُنقل إلينا، لأن قتادة ملك وزعيم كبير كان ذا أثر كبير في التاريخ، ودواعي خصومه الكثيرين (من أشراف الحجاز قبل غيرهم) في إضعافه أشد الدواعي، مع ما هم عليه من شدة اعتزاز بالنسب وعناية به وحماية له وأنفة كبيرة في الذود عن حياضه. فعدم كلام أحد من منهم في إثارة الشك في نسبه: يدل دلالة قاطعة على أن نسب الشريف قتادة كان عندهم فوق أن يمكنهم النيل منه بتشكيك رخيص، وأنه لا أمل لعدو في أن يفكر بالتعرض له، لحصول الاتفاق التام على سلامة تلك الأصول في عمود نسب قتادة وشهرة سلامتها من أي خلل وشبهة، وأنه نسب به تُعرَف الأنساب وتُقاس، وتُصحَّحُ وتُصَوَّبُ، وليس العكس!

وابن فندق رجل صاحب جاه ووزارة وسلطة قضاء وشاع ذكره بين العلماء، واشتهر كتابه بين النسابين، فلو علم عنه ما فهمه الكاتب من فهم سقيم، لنقل عنه، وطار به خصوم قتادة وغيرهم، وللهجوا بذكره، سواء منهم المعاصرون لقتادة، وغيرهم من المتأخرين.

بل إن الحجاز ولاية عباسية في الأصل، ومعلوم قدرها لدى الخلافة العباسية، ثم ينتزعها قتادة من العباسيين، فلا نجد من الخليفة العباسي رغم ذلك كله أيَّ تشكيكٍ أو إثارةِ شبهةٍ في نسبه، فضلاً عن طعن ببغي وافتراء، ولو كان هناك مجالٌ للتشكيك لكانت كل الدواعي تقتضي حصوله، كما حصل من خلفاء بني العباس مع الفاطميين العبيديين .

([6]) علم النسب: 83.

([7]) مصحفة في المطبوعة بالسرير.

([8]) استوعب الحديث عن هذه المواضع وغيرها من ديار آل البيت في الحجاز في بحث مستقل بعنوان: معجم المواضع والأمكنة لآل البيت في الحجاز. للشريف عصام بن ناهض الهجاري. وفي ذكر باديتها أيضاً للشريف محمد بن حسين الصمداني بعنوان: المجاز بذكر بادية أشراف الحجاز.

([9]) وممن ذكر هذا الدكتور رمضان عبد التواب في كتابه مناهج التحقيق تراث بين القدامى والمحدثين ص102 و108 و117.

قال محقق التراث المعروف وواضع منهجه فيه الأستاذ عبد السلام هارون في كتابه «تحقيق النصوص ونشرها» في مبحث مقدمات تحقيق المتن ص53، 59: (هناك مقدمات رئيسية لإقامة النص، فمنها… الإلمام بالموضوع الذي يعالجه الكتاب حتى يمكن المحقق أن يفهم النص فهماً سليماً يجنبه الوقوع في الخطأ حين يظن الصواب خطأ فيحاول إصلاحه، أي يحاول إفساد الصواب! وهذا إنما يتحقق بدراسة بعض الكتب التي تعالج الموضوع نفسه أو موضوعاً قريباً منه ليستطيع المحقق أن يعيش في الأجواء المطابقة أو المقاربة، حتى يكون على بصيرة نافذة). ثم ذكر في ص59-61 أن لكي يمضي الباحث في التحقيق أن يستعين بالمراجع العلمية الخاصة، ولكل كتاب وموضوع مراجعه الخاصة.

وذكر الأستاذ رمضان عبد التواب من تلك الوسائل ص108: (وسيلة تخريج النصوص. وهو البحث لها عما يؤيدها ويشهد بصحتها في بطون الكتب وهو أمر ضروري جداً). وذكر مما يعين على ذلك الرجوع لكتب الأمكنة والبلدان. فقال في ص117: (أما أسماء الأمكنة والبلدان، فقد ألف العلماء مجموعة كبيرة من المعاجم لضبطها والتعريف بها، وهذه لا يستغنى المحقق عن الرجوع إليها، لكي يطمئن إلى صحة ما ورد في النص الذي أمامـه من أسماء الأمكنـة والبلدان، وعلى رأس هذه الكتب: معجم ما استعجم لأبي عبيد البكري، ومعجم البلدان لياقوت الحموي، وغيرهما… وهكذا نرى أن تحقيق النص ليس مهمة يسيرة، بل لا بد فيه من معرفة واسعة بالمصادر العربية وطريقة استخدامها، والإفادة منها في تصحيح النص حتى يقترب من أصله الذي كتبه المؤلف).

وذكر الدكتور المحقق بشار عواد في كتابه «في تحقيق النص. أنظار تطبيقية نقدية في مناهج تحقيق المخطوطات العربية» ص453 في فصل ضبط النص عن أصول تحقيق النصوص المتفق عليها بين أهل العلم:

(ثاني عشر: علم المحقق بموضوع الكتاب: من المعلوم في بدائه علم تحقيق النصوص أن تتوفر في المحقق جملة شروط، منها… المعرفة التامة بموضوع الكتاب الذي حققه وتمكن من اللغة، من أجل فهم نصوصه، وتمكنه من ترجيح قراءة على أخرى، أو قراءة ما يشكل عليه من النسخ الخطية، فيوظف علمه ومعرفته للكشف عن إثارته وتبيين إشاراته، وان يدل على المناجم التي أستقى منها والمنازع التي صدر عنها… إن قلة معرفة المحقق بمادة الكتاب ستؤدي حتماً إلى تشويه النص، لا سيما عند عدم توفر نسخة خطية متقنة، إذ يصعب على المحقق فهم النص وترجيح قراءة على أخرى، لان هذا لا بد له من تعليل، والتعليل لا بد له من علم).

([10]) بحث من جمع وإعداد الشريف عصام بن ناهض الهجاري.

([11]) بحث من إعداد وجمع الشريف محمد بن حسين الصمداني أحد كتاب هذا الرد نشر الجزء الأول منه في موقع «آل البيت حول العالم».

المصدر في الرابط التالي :
http://alalbayt.com/?p=4047
 





  رد مع اقتباس
قديم 05-05-2010, 07:22 AM رقم المشاركة : 4 (permalink)
القلعة
المدير العام
 
الصورة الرمزية القلعة





القلعة غير متواجد حاليآ بالمنتدى

افتراضي

اشكر الاخ الشريف النموي على الموضوع . والايضاح
والشكرلمن اعد وكتب البيان. والشكر موصول لمن راجع وقدم له.
وجميعهما من مرجعيات اشراف الحجاز . نعتز ونفتخر بهما نحسبهم كذلك والله حسيبهم.

 





  رد مع اقتباس
قديم 05-05-2010, 12:17 PM رقم المشاركة : 5 (permalink)
الجود
عضو نشيط





الجود غير متواجد حاليآ بالمنتدى

افتراضي

نسأل الله الهداية للجميع

 





  رد مع اقتباس
قديم 05-05-2010, 01:35 PM رقم المشاركة : 6 (permalink)
شمالي
عضو مميز





شمالي غير متواجد حاليآ بالمنتدى

افتراضي

آفة العلم ان يحمله من لايحسن فهمه

نعم الاشراف القتادات ملوك وامراء ومشايخ الاشراف . وبالمناسبة اعجبت بهذة الترجمه
للشريف قتادة جد الاشراف القتادات.

الأشراف القتاديون من كتاب "الاستشراف على تاريخ كبار الأشراف" للعلامة مؤرخ النسابة عاتق بن غيث البلادي


1- الشريف قَتَادة بن إدريس (527 - 617 هـ/ 1132 - 1219 م): تقدم معك انقراض دولة الهواشم سنة (597 هـ = 1200 م)، وذلك باستيلاء قتادة بن إدريس على مكة، قيل بواسطة ابنه عزيز، وقيل بواسطة ابنه حنظلة، وقيل: بل هجم هو عليها فلم يشعروا إلاّ وهو معهم، وسنلقي ضوءاً فيما بعد على هذين الابنين (عزيز وحنظلة)، وقتادة هذا هو جد الأشراف القتاديين أو أشراف الحجاز (مجازاً) إذ أن معظم أشراف الحجاز اليوم من عقبة إلاّ بضع أسر، وظل بنوه يتوارثون أمر الحجاز إلى سنة (1344هـ)، أما إخوانهم الحسينيون فقد كانوا يستقلون بالمدينة مدداً محددة. من هو قتادة؟ ترجم له تقي الدين صاحب العقد الثمين ترجمة ما رأيت أحداً أتى بمثلها، ولذا نقلتها مع ملاحظة: 1- حذفت، اختصاراً، أشياء لا تخل بالترجمة. 2- ذيلت عليها لتعريف ما غمض على المحقق أو أخطأ فيه لعدم درايته الميدانية.
3- صححت بعض الأخطاء المطبعية أو النسخية. 4- علقت على موضوع بنيه ومن تفرع منهم. يقول التقي: قتادة بن إدريس بن مطاعن ابن عبد الكريم بن عيسى بن حسين بن سليمان بن علي بن عبد الله بن محمد([127]) بن موسى([128]) بن عبد الله بن موسى([129]) بن عبد الله([130]) بن الحسن([131]) بن الحسن بن علي بن أبي طالب، يُكنى أبا عزيز الينبعي المكيّ. ويقال له: نابغة بني حسن، صاحب مكة وينبع، وغير ذلك من بلاد الحجاز. وَلِي مكة عشرين سنة أو نحوها، على الخلاف في مبدأ ولايته بمكة، هل هو سنة سبع وتسعين وخـمسمائة، على ما ذكر الـميورقيّ([132])، نقلاً عن القاضي فخر الدين عثمان بن عبد الواحد العَسْقلاني المكي([133])، أو هو سنة ثمان وتسعين كما ذكر الذهبي في العبر، أو هو سنة تسع وتسعين، بتقديم التاء على السين، على ما ذكر ابن محفوظ، وذلك بعد ملكه لينبع، وكان هو وأهله مستوطنين نهر العلقميَّة([134]) من وادي ينبع، وصارت له على قومه الرئاسة فجمعهم وأركبهم الخيل، وحارب الأشراف بني حراب، من ولد عبد الله بن الحسن بن الحسن، وبني علي، وبني أحمد([135])، وبني إبراهيم([136])، ثم إنه استألَف بني أحمد، وبني إبراهيم، وذلك أيضاً بعد ملكه لوادي الصَّفراء، وإخراجه لبني يحيى([137]) منه، وكان سب طعمه في إمرة مكة، على ما بلغني، ما بلغه من انهماك أمرائها الهواشم بني فليته على اللهو، وتبسطّهم في الظلم، وإعراضهم عن صونها ممن يريدها بسوء، اغتراراً منهم بما هم فيه من العز والهسف([138]) لمن عارضهم في مرادهم، وإن كان ظلماً أو غيره، فتوحش عليهم لذلك خواطر جماعة من قوّادهم، ولما عرف ذلك منهم قتادة، استمالهم إليه، وسألهم المساعدة على ما يرونه من الاستيلاء على مكة، وجرَّاهُ على المسير إليها مع ما في نفسه، وقيل: إن بعض الناس، فزع إليه مستغيثاًَ به في ظلامة ظُلمها بمكة، فوعده بالنصر، وتجهّز إلى مكة في جماعة من قومه، فما شعر به أهل مكة، إلا وهو بها معهم، وولاتهم على ما هم فيه من الانهماك في اللهو، فلم يكن لهم بمقاومته طاقة، فملكها دونهم، وقيل إنه لم يأت إليها بنفسه في ابتداء ملكه لها، وإنما أرسل إليها ابنه حنظلة فملكها، وخرج منها مكثر بن عيسى بن فليتة إلى نخلة، ذكره ابن محفوظ، وذكر أن في سنة ستمائة، وصل محمد بن مكثر، وتقاتلوا عند المتكا([139])، وتمّت البلاد لقتادة، وجاء إليها بنفسه بعد ولده حنظلة. وذكر ابن الأثير، أن في سنة إحدى وستمائة، كانت الحرب بين قتادة الحسني أمير مكة المشرفة، وبين الأمير سالم بن قاسم الحسيني أمير المدينة، ومع كل واحدٍ منهما جمع كثير، فاقتتلوا قتالاً شديداً، وكانت الحرب بذي الحليفة بالقرب من المدينة، وكان قتادة قد قصد المدينة ليحصرها ويأخذها، فلقيه سالم بعد أن قصد الحجرة الشريفة النبويّة، على ساكنها السلام، وصلى عندها ودعا، وسار فلقيه، فانهزم قتادة، إلى من مع سالم (من الأمراء)، فأفسدهم عليه، فمالوا إليه وحالفوه، فلما علم سالم ذلك، رحل عنه عائداً إلى المدينة، وعاد أمر قتادة يقوى. وقد ذرك ابن سعيد مؤرخ المغرب والمشرق([140])، حرب قتادة وصاحب المدينة في هذه السنة، وأفاد فيه ما لم يفده ابن الأثير، فنذكر ذلك لما فيه من الفائدة، ونص ما ذكره قال: وفي سنة إحدى وستمائة، كانت بالحجاز، وهي من البلاد التي يُخطب فيها للعادل بن أيوب، وقعة المصارع، التي يقول فيها أبو عزيز قتادة الحسني صاحب مكة: مصارعَ آلِ المصطفى عُدْتِ مثلما بدأتِ ولكن صِرْتِ بين الأَقاربِ قتل فيها جماعة من الفاطميين، وكان أمرها على ما ذكره مؤرّخو الحجاز: أن أبا عزيز، هجم من مكة على المدينة النبوية، فخرج له صاحب المدينة سالم بن قاسم الحسيني، فكسره أبو عزيز، وحصره أياماً، وكان سالم في أثناء ذلك يحسن سياسة الحرب، ويستميل أصحاب أبي عزيز، إلى أن خرج عليه، وهو مغتر متهاون به، فكسره سالم وأسر جمعاً من أصحابه، وتبعه إلى مكة فحصره فيها على عدد أيام حصاره بالمدينة، وكتب إليه: يا بن العم، كسرة بكسرة، وأيام حصار بمثلها، والبادي أظلم، فإن كان أعجبكم عامكم، فعودوا ليثرب في القابل([141]). وذكر أبو شامة شيئاً غير هذا من خبر قتادة مع أهل المدينة، لأنه قال بعد أن ذكر أن المعظم صاحب دمشق عيسى بن العادل أبي بكر بن أيوب، حجّ في سنة إحدى عشرة وستمائة، ولما عاد إلى المدينة شكا إليه سالم من جَوْرِ قَتادة، فوعده أن يُنجده عليه، ثم قال: فجهّز جيشاً مع الناهض بن الجرخي([142]) إلى المدينة، والتقاهم سالم فأكرمهم، وقصدوا مكة، فانهزم قتادة منهم إلى البرية، ولم يقف بين أيديهم. انتهى. وقال أبو شامة في أخبار سنة اثنتي عشرة وستمائة: ووصل الخبر من جهة الحجاز، بنزول قتادة صاحب مكة على المدينة حرسها الله تعالى، تاسع صفر، وحصرها أياماً، وقطع ثمرها جميعه، وكثيراً من نخيلها، فقاتله من فيها، وقتل جماعة من أصحابه، ورحل عنها خاسراً. وقال في أخبار هذه السنة أيضاً: وفي ثالث شعبان، سار الأمير سالم صاحب المدينة بمن استخدمه من التركمان، والمراحل إليها من المخيم السلطاني بالكسوة([143])، ثم توفي بالطريق قبل وصوله إلى المدينة، وقام ولد أخيه جَمّاز بالإمرة بعده، واجتمع أهله على طاعته، فمضى بمن كان مع عمه، لقصد قتادة صاحب مكة، فجمع قتادة عسكره وأصحابه، والتقوا بوادي الصفراء، فكانت الغلبة لعسكر المدينة، فاستولوا على عسكر قتادة قتلاًَ ونهباً، ومضى قتادة منهزماً إلى ينبُع، فتبعوه وحصروه بقلعته، وحصل لحميد بن راجب من الغنيمة، ما يزيد على مائة فرس، وهو واحد من جماعة كثيرة من العرب الكلابيين([144])، وعاد الأجناد الذين كانوا مضوا مع الأمير سالم من الشام، من التركمان وغيرهم، صحبة الناهض بن الجرخي خادم المعتمد، وفي صحبتهم كثير مما غنموه من أعمال قتادة، ومن وقعة وادي الصفراء، من نساءٍ وصبيان، وظهر فيهم أشراف حسنيون وحسينيون، فاستعيدوا منهم، وسلِّموا إلى المعروفين من أشراف دمشق، ليكلفوهم ويشاركوهم في قسمهم من وقفهم. انتهى. وهذا الخبر يقتضي أن سالماً لم يحضر القتال الذي كان بين قتادة والعسكر، الذي أنفذه المعظم لقتال قتادة، نصرة لسالم، لموت سالم في الطريق، وأنه سار مع العسكر من دمشق إلى أن مات بالطريق، والخبر الأول يقتضي أن سالماً حضر مع العسكر قتالهم لقتادة، ويقتضي أيضاً أن سالماً لم يسر مع العسكر من دمشق، وإنما لقيهم بالمدينة أو في الطريق. وهذا الخبر نقله أبو شامة عن صاحب مرآة الزمان، وما ذكره أبو شامة أصوب مما ذكره عن صاحب المرآة، لاتحاد القصة. والله أعلم. وذكر أبو شامة([145]) سبب إنجاد المعظم لسالم على قتادة، لأنه قال لما ذكر حج المعظم: وتلقاه سالم امير المدينة وخدمه، وقدم له الخيل والهدايا، وسلم إليه مفاتيح المدينة، وفتح الأهراء([146])، وأنزله في داره، وخدمه خدمةً عظيمة، ثم سار إلى مكة، فوصلها يوم الثلاثاء سادس ذي الحجة. ثم قال أبو شامة: قال أبو المظفر سبط ابن الجَوزي: والتقاه قتادة أبو عزيز أمير مكة، وحضر في خدمته. قال أبو المظفر: وحكى لي -يعني المعظم- قال: قلت له -يعني قتادة-: أين ننزل؟ فأشار إلى الأبطح بسوطه، وقال: هناك. فنزلنا بالأطح، وبعث إلينا هدايا يسيرة. وذكر أبو شامة خبراًَ اتفق لقتادة وقاسم بن جماز أمير المدينة، ونص ما ذكره في أخبار سنة ثلاث عشرة وستمائة: فيها وصل الخبر بتسليم([147]) نواب الكامل الينبع، من ناب قتادة، حماية له من قاسم بن جماز صاحب المدينة، وبأن قاسم بن جماز أخذ وادي (القرى) ونخلة من قتادة([148])؛ وهو مقيم به ينتظر الحاج، حتى يقضوا مناسكهم، وينازل هو مكة بعد انفصالهم عنها. وذكر ابن محفوظ شيئاً من خبر قتادة وقاسم، لأنه قال: سنة ثلاث عشرة وستمائة، كان فيها وقعة الحميمة([149])، جاء الأمير قاسم الحسيني بعسكر من المدينة، وأغار على جدة، وخرج له صاحب مكة قتادة، والتقوا بين القصر والحميمة، وكانت الكسرة على قاسم، وكان ذلك يوم النحر في هذه السنة. هذا ما علمته من حروب قتادة مع أهل المدينة. وفي ترجمة ابنه حسن بن قتادة، أن أباه قتادة في سنة موته÷ جمع جموعاً كثيرة، وسار عن مكة إلى المدينة، ولما نزل بالفرع، سير على الجيش أخاه، وابنه حسناً لمرض عرض له، وما عرفت خبر عسكر قتادة هذا مع أهل المدينة، وكان بين قتادة صاحب مكة، وثقيف أهل الطائف، حرب ظهر فيه قتادة على ثقيف، وبلغني أنه لما ظهر على هرب منه طائفة منهم، وتحصّنوا في حصونهم، فأرسل إليهم قتادة يستدعيهم للحضور إليه، ويؤمِّنهم وتوعدَّهم بالقتل إن لم يحضروا إليه، فتشاور ثقيف في ذلك، ومال أكثرهم إلى الحضور عند قتادة، خيفة أن يهلكهم إذا ظهر عليهم، فحضروا عند قتادة، فقتلهم واستخلف على بلادهم نواباً من قبله، وعضدهم بعبيد له، فلم يبق لأهل الطائف حيلة فيقتل جماعة قتادة، وهي أنهم يدفنون سيوفهم في مجالسهم، التي جرت عادتهم بالجلوس فيها مع أصحاب قتادة، ويستدعون أصحاب قتادة للحضور إليهم، فإذا حضروا إليهم وثب كل من أهل الطائف بسيفه المدفون، على جليسه من أصحاب قتادة، فيقلته به، فلما فعلوا ذلك، استدعوا أصحاب قتادة إلى الموضع الذي دفنوا فيه سيوفهم، وأوهموهم أن استدعاءهم لهم بسبب كتاب ورد عليهم من قتادة، فحضر إليهم أصحاب قتادة بغير سلاح، لعدم مبالاتهم بأهل الطائف، لِما أوقعوا في قلوبهم من الرعب منهم، فلما اجتمع الفريقان واطمأنت بهم المجالس، وثب كل من أهل الطائف على جليسه، ففتك به، ولم يَسلم من أصحاب قتادة إلا واحد، على ما قيل، هرب ووصل إلى قتادة، وقد تخبَّل عقله لشدة ما رآه من الروع في أصحابه، وأخبر قتادة بالخبر، فلم يصدقه وظنه جن لِما رأى فيه التخبُّل. وكان حرب قتادة لهل الطائف، في سنة ثلاث عشرة وستمائة، على ما ذكر الميورقي وذكر أن في هذه الواقعة، فُقد كتاب النبي لأهل الطائف، لما نهب جيش قتادة البلاد، ونص ما ذكره الميورقي في ذلك، قال: قال لي تميم بن حمدان الثقفي العوفي: قُتل أبي، في نوبة قتل الشريف قتادة لمشايخ ثقيف، بدار بني يسار، من قرى الطائف، ونهب الجيش البلاد، ففقدنا الكتاب في جملة ما فقدناه، وهو كان عند أبي، لكونه كان شيخ قبيلته. قال قاضي الطائف يحيى بن عيسى: قُتل أبي لثلاث عشرة من جمادى سنة ثلاث عشرة وستمائة. انتهى. وقال أبو المظفر: وفي عاشر محرم، وصل حُسن الحجاز، من مكة سائقاً للحاج، وأخبر بأن قتادة صاحب مكة، قتل المعروف بعبد الله الأسير، ثم وصل كتاب من مرزوق الطشتدار([150]) الأسدي، في الخامس والعشرين من المحرم، وكان حاجباً، يخبر فيه بأن قتادة قتل إمام الحنفية وإمام الشافعية بمكة، ونهب الحاج اليمنيين. وقال أيضاً سنة ثمان وستمائة: فيها نهب الحاج العراقي، وكان حجّ بالناس من العراق، علاء الدين محمد بن ياقوت، نيابةً عن أبيه، ومعه ابن أبي فراس، يثقّفه ويدبره، وحج من الشام، الصمصام إسماعيل، أخو سِياروج النجمي على حاج دمشق، وعلى حاج القدس الشجاع علي بن سلار، وكانت ربيعة خاتون (بنت أيوب) أخت العادل في الحج، فلما كان يوم النحر (بمنى) بعد رمي الناس الجمرة وثب بعض الإسماعيلية، على رجل شريف من بني عمّ قتادة، أشبه الناس به، وظنوه إياه، كان مع أم جلال الدين، وثار عبيد مكة والأشراف، وصعدوا على الجبلين بمنى، وهلّلوا وكبّروا، وضربوا الناس بالحجارة والمَقاليع([151]) والنُشاب، ونهبوا الناس يوم العيد والليلة واليوم الثاني، وقتل من الفريقين جماعة، فقال ابن أبي فراس لمحمد ابن ياقوت: ارحلوا بنا إلى الزّاهر، إلى منزلة الشاميين، فلما حصلت الأثقال على الجمال، حَمل قتادة أمير مكة والعبيد، فأخذوا الجميع إلا القليل. وقال قتادة: ما كان المقصود إلا أنا، والله لا أبقيت من حاج العراق أحداً، وكانت ربيعة خاتون بالزاهر، ومعها ابن السلار، وأخو سياروج، وحاج الشام، فجاء محمد بن ياقوت أمير الحاج العراقي، فدخل خيمة ربيعة خاتون مستجيراً بها، ومعه خاتون أم جلال الدين، فبعثته ربيعة خاتون مع ابن السلار، إلى قتادة تقول له: ما ذنب الناس! قد قتلت القاتل، وجعلت ذلك وسيلةً إلى نهب المسلمين، واستحللت الدماء في الشهر الحرام، في الحرام، والمال، وقد عرفت من نحن، والله لئن لم تنته، لأفعلنّ، ولأفعلنّ. فجاء إليه ابن السلار، فخوَّفه وهّدده، وقال: ارجع عن هذا، وإلاَّ قَصدك الخليفة من العراق ونحن من الشام، فكفَّ عنهم، وطلب مائة ألف دينار، فجمعوا له ثلاثين ألفاً من أمير الحاج العراقي، ومن خاتون أم جلال الدين، وأقام الناس ثلاثة أيام حول خيمة ربيعة خاتون، بين قتيل وجريح ومسلوب وجائع وعُريان، وقال قتادة: ما فعل هذا إلا الخليفة، ولئن عاد قرُب أحد من بغداد إلى هنا، لأقتلن الجميع. ويقال إنه أخذ من المال والمتاع وغيره، ما قيمته ألفا ألف دينار، وأذن للناس في الدخول إلى مكة، فدخل الأصحاء الأقوياء، فطافوا وأي طواف، ومعظم الناس ما دخل، ورحلوا إلى المدينة، ودخلوا بغداد على غاية الفقر والذل والهوان، ولم ينتطح فيها عنزان. انتهى. وكلام أبي شامة، يقتضي أن العراقيين لما دخلوا للالتجاء بالحجاج الشاميين، كان الشاميون نازلين بالزهر، وكلام ابن الأثير، يقتضي أن ذلك وقع والشاميون بمنى، ثم رحلوا جميعاً إلى الزَّاهر، وهذا أشبه بالصواب. وأما قول أبي شامة: ولم ينتطح فيها عنزان، فسببه أن قتادة، أرسل إلى الخليفة ببغداد يسأله العفو، فأجيب إلى سؤاله، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى قريباً([152]). وذكر ابن سعيد المغربي هذه الحادثة، وذكر فيها أن أصحاب قتادة، فعلوا بمن كان من الحجاج في مكة، مثل ما فعلوا فيهم بمنى، وذكر أن الأشراف قتلوا القاتل بمنى، وظنّوا أنه حشيشي([153])، وذكر ابن سعيد شيئاً مما كان بين قتادة وأهل العراق، بسبب هذه الحادثة، وأفاد في ذلك ما لم أره لغيره فنذكره، ونصّ ما ذكره في أخبار سنة تسع وستمائة: وصل من قبل الخليفة الناصر، إلى أبي عزيز الحسني صاحب مكة، مع الرَّكب العراقي، مال وخلع وكسوة البيت على العادة، ولم يظهر له الخليفة إنكاراً على ما تقدم من نهب الحاج، وجعل أمير الركب يستدرجه ويخدعه، بأنه لم يصح عند الديوان العزيز، إلا أن الشرفاء، وأتباعهم نهبوا أطراف الحاج، ولولا تلافيك أمرهم، لكان الاصطلام. وقال: يقول لك مولانا الوزير: وليس كمال الخدمة الإمامية، إلا بتقبيل العتبة، ولا عزّ الدنيا والآخرة، إلا بنيل هذه المرتبة، فقال له: أنظر في ذلك، ثم تسمع الجواب. واجتمع ببني عمه الأشراف، وعرَّفهم أن ذلك استدراج لهم وله، حتى يتمكن من الجميع، وقال: يا بني الزهراء، عزكم إلى آخر الدهر، مجاورة هذه البنية والاجتماع في بطائحها، واعتمدوا بعد اليوم، أن تعاملوا هؤلاء القوم بالشر، يوهنوكم من طريق الدنيا والآخرة، ولا يرغبوكم بالأموال والعَدد والعُدد، فإن الله قد عصمكم وعصم أرضكم بانقطاعها، وإنها لا تبلغ إلا بشق الأنفس، قال: ثم غدا أبو عزيز على أمير الركب، وقال له: اسمع الجواب، ثم أنشده ما نظمه في ذلك: ولي كفُّ ضرغام أصولُ ببطشها وأشري بها بين الورى وأبيعُ تظلُّ ملوكُ الأرض تلثم ظهرَها وفي بطنها للمجدبين ربيعُ أَأَجعلها تحت الثرى ثم أبتغي خلاصاً لها إنِّي إذاً لرقيعُ وما أنا إلا المسكُ في كل بلدةٍ أضوعُ وأما عندكم فأضيعُ([154]) فقال له أمير الرَّكب: يا شريف، أنت ابن بنت رسول الله، والخليفة ابن عمك، وأنا مملوك تركي، لا أعلم من الأمور التي في الكتب ما علمت، ولكني قد رأيت أن هذا من شرب العرب، الذين يسكنون البوادي، ونزعات قطّاع الطريق ومخيفي السبيل، حاش لله أن أحمل هذه الأبيات عنك إلى الديوان العزيز، فأكون قد جنيت على بيت الله، وبني بنت نبيه، ما أُلعن عليه في الدنيا، وأُحرق بسببه في الآخرة، والله لو بلغ هذا إلى حيث أشرت، لترك كل وجهٍ، وجعل جميع الوجوه إليك حتى يفرغ منك، ما لهذا ضرورة، إنه قد خطر لك أنهم استدرجوك، لا تسر إليهم، ولا تمكن من نفسك، وقل جميلاً، وإن كان فعلك ما علمت. قال: فأصغى إليه أبو عزي، وعلم أنه رجل عاقل ناصح، ساع بخير لمرسله وللمسلمين، فقال: كثر الله في المسلمين مثلك، فما الراي عندك؟ قال: أن ترسل من أولادك من لا تهتم به إن جرى عليه ما يتوقعه، ومعاذ الله أن يجري إلا ما تحبه، وترسل معه جماعة من ذوي الأسنان والهيئات من الشرفاء، فيدخلون مدينة السلام، وفي أيديهم أكفانهم منشورة، وسيوفهم مسلولة، ويقبلون العتبة، ويتوسلون برسول الله، وبصفح أمير المؤمنين، وسترى ما يكون من الخير([155]) لك وللناس، والله لئن لم تفعل هذا، لتركبنَّ الإثم العظيم، ويكون ما لا يخفى عنك، قال: فشكره ووجه صحبته ولده وأشياخ الشرفاء، ودخلوا بغداد على تلك الهيئة التي رسم، وهم يضجون ويبكون ويتضرعون، والناس يبكون لبكائهم، واجتمع الخلق كأنه المحشر، ومالوا إلى باب النوبي من أبواب مدينة الخليفة، فقبلوا هنالك العتبة، وبلغ الخبر الناصر، فعفى عنهم وعن مرسلهم، وأُنزلوا في الديار الواسعة، وأُكرموا الكرامة التي ظهرت واشتهرت، وعادوا إلى أبي عزيز بما أحبَّ، فكان بعد ذلك يقول: لعن الله أول رأي عند الغضب، ولا عدمنا عاقلاً ناصحاً يثنينا عنه. وذكر ابن محفوظ: أن قتادة أرسل إلى الخليفة ولده راجح بن قتادة في طلب العفو، وكلامه يقتضي أن ذلك وقع بإثر الفتنة. وذكر ابن الأثير ما يوافق ذلك، وما ذكره ابن سعيد، يقتضي أن ذلك بعد سنةٍ من الفتنة والله أعلم. وقد ذكر قتادة جماعة من العلماء في كتبهم، وذكروا ما فيه من الأوصاف المحمودة والمذمومة، مع غير ذلك من خبره، فنذكر ما ذكروه لما فيه من الفائدة. قال المنذري في التكملة: كان مهيباً (وقوراً) قويّ النفس (شجاعاً) مقداماً فاضلاً، وله شعر. قال: وتولَّى إمرة مكة مدة، رأيته بها وهو يطوف بالبيت شرفه الله تعالى، ويدعو بتضرع وخشوع كثير. قال: وكان مولده بوادي ينبع، وبه نشأ. وذكر أنه قدم مصر غير مرة، وأن أخاه أبا موسى عيسى بن إدريس، أَملى عليه نسبه هذا، يعني الذي ذكرناه حين قدم مصر. وقال ابن الأثير: وكانت ولايته قد اتسعت، من حدود اليمن إلى المدينة النبيّ، وله قلعة ينبع بنواحي المدينة، وكثر عسكره، واستكثر من المماليك، وخافه العرب في تلك البلاد خوفاً عظيماً. وكان في أول أمره لما ملك مكة حرسها الله تعالى، حسن السيرة، أزال عنها العبيد المفسدين، وحمى البلاد، وأحسن إلى الحجاج وأكرمهم، وجدد المكوس بمكة، وفعل أفعالاً شنيعة، ونهب الحاجّ في بعض السنين كما ذكرنا. وقال ابن سعيد، بعد أن ذكر وفاته وشيئاً من حال أجداده: وكان أبو عزيز أدهى وأشهر من مَلَك مكة منهم، وكان يخطب للخليفة الناصر، ثم يخطب لنفسه بالأمير المنصور، ودام ملكه نحو سبع وعشرين سنة([156])، وكان قد ابتاع المماليك وصيرهم جنداً يركبون بركوبه، ويقفون إذا جلس على رأسه، وأدخل في الحجاز من ذلك ما لم يعهده العرب وهابته، وكان متى قصد منهم فريقاً، أمر فيهم وهابته، وكان متى قصد منهم فريقاً، أمر فيهم بالسِّهام، فأطاعته التهائم والنجود، وصار له صيتٌ في العرب لم يكن لغيره، وكانت وراثته الملك عن مكثر بن قاسم بن فليتة الذي ورثه عن آبائه المعروفين بالهواشم، ولم يكن أبو عزيز من الهواشم، إلا من جهة النساء، وظهر في مدة مكثر، فورث ملكه، واستقام أمره، ثم استقام الأمر في عقبه إلى الآن. ثم قال ابن سعيد: وكان أبو عزيز، أديباً شاعراً -وقد تقدّم شعره الذي قاله، عندما حاول الإمام الناصر وصوله إلى بغداد- قال: ولما قتلت العرب في الركب العراقي، حين أسلمه أميره المعروف بوجه السبع وفرّ إلى مصر بسبب عداوة جرت بينه وبين الوزير العلوي، كتب ابن زياد عن الديوان العزيز: إلى أبي عزيز، وغير خَفيٍّ عن سمعك، وإن خفي عن بصرك، ـ فيك إلا جاوره([157]) في آرامٍ بكل ريم، وغشيان حرب بين الحرمين، حتى عَمُّوا قلب كل محرم كالعميم. فكان جواب أبي عزيز: أما ما كان بأطراف نجد، فالعتب فيه راجع على من قرب من خدام الديوان العزيز الكاف، وأما ما ارتكبوه بين الحرمين، فهو مشترك بين الحسن والحُسين، قال: وكأنهم رؤوا في هذه الكلام استخفافاً لم يحتمله الديوان العزيز، فكانت أول الوحشة حتى أظهر التوبة، وأرسل ابنه والأشراف بأكفانهم منشورة بين أيديهم وسيوفهم مجردة، وذكر وزيره النجم الزنجاني([158]) أن أبا عزيز، وقع بالفصل الذي كتب إليه من بغداد، ولم يزل هجِّيراه، إلى أن أنشده فيما نظمه: بآرامٍ فُتنتَ بكل ريم وهم عمُّوا فؤادي بالعميمِ([159]) وفي وادي العقيق رَأَوا عقوقي كما حطموا ضلوعي بالحطيمِ فأتى بما لا يخفى انطباعه فيه. ومن مختار شعره، قوله: أيُّها المعرض الذي قوله إن جئت أشكو فضحتني في الأنامِ فأرح نفسك التي قد تعيَّت أرحْني من بث هذا الغرامِ كان هذا يكون قبل امتزاجي بك مزج الطلا بماء الغمامِ ليس لي من رضاك بُدٌّ وقصدي يومَ عيدٍ من سائر الأيامِ وقال أبو سعيد أيضاً: قال الزنجاني: ومما يجب أن يؤرَّخ من محاسن الأمير أبي عزيز، أن شخصاً من سرو اليمن، يعرف بنابت بن قحطان، ورد برسم الحج، وكان له مال يتاجر فيه، فتطرق إليه أبو عزيز، بسبب احتوائه عليه، قال: فبينما هو يتمشَّى في الحرم، إذ سمع شخصاً يقول، وهو يطوف بالبيت: اللهم بهذا البيت المقصود، وذلك المقام المحمود، وذلك الماء المورود، وذاك المزار المشهود، إلا ما أنصفتني ممن ظلمني، وأحوجت إلى غيرك، من إلى الناس أحوجني، وأريته بعد حلمك أخذك الأليم الشديد، ثم أصليته نارك، وما هي من الظالمين ببعيد. فارتاع أبو عزيز، ثم حمله طبعه وعادته، على أن وكل به من يعنفه، ويحمله إلى السجن بعنف، وانصرف إلى منزله، وكان له جارية حبشية، نشأت بالمدينة، فقالت: يا أمير حرم الله، إن لك الليلة لشأناً، فأخبرها بخبر الشخص، فقالت: معاذ الله يا ابن بنت رسول الله، أن تأخذك العزة بالإثم، رجل غريب قصد بيت الله، واستجار بحرم الله، تظلمه أولاً في ماله، ثم تظلمه آخراً في نفسه، أين عزبت عنك المكارم الهاشمية والمراح النبوية، غير هذا كلامها في خاطره، وأمر بإحضار الرجل، فلما حضر، قال له: اجعلني في حلٍّ، قال: ولم؟ قال: لأني ابن بنت رسول الله، فقال: لو كنت ابن بنت رسول الله، ما فعلت الذي فعلت، حين ولاَّك الله أمر عباده وبلاده، فاستعذر أبو عزيز وقال: قد تُبت إلى الله، وصدقتن عليك مالك، فقال الرجل: نعم، الآن أنت ابن بنت رسول الله، وأنا فقد تصدقت بجميع ذلك المال، شكراً لله تعالى على أن أعتق من العار والنار، شخصاً يعتزي إلى ذلك النسب الكريم. فقال أبو عزيز: الحمد لله على كل حال، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم استدعى شاهدين ونص عليهما الحكاية، ثم قال: فاشهدوا أني قد أعتقت هذه الجارية، ووهبت لها من المال كذا وكذا، فإن أراد هذا اليمني أن يتزوجها، فعلي صداقها عنه، وما يتجهزان به إلى بلاده، وما يعيشان به هناك في نعمةٍ ما شاء الله، فقال اليمني: قد قبلت ذلك، ولم ينفصلا إلى بلاده إلا بها انتهى. وقال أبو شامة في أخبار سنة سبع عشرة وستمائة: وفيها (في جمادى الأولى) مات بمكة أبو عزيز قتادة بن إدريس أمير مكة، الشريف الحسني الزَّبدي، كان عادلاً منصفاً، نقمة على عبيد مكة والمفسدين، والحاجّ في أيامه مطمئنون، آمنون على أنفسهم وأموالهم. وكان شيخاً مهيباً طوالاً، وما كان يلتفت إلى أحدٍ من خلق الله، ولا وطئ بساطاً لخليفةٍ ولا غيره، وكان يُحمل إليه في كل سنة من بغداد، الخلع والذهب، وهو في داره (بمكة)، وكان يقول: أنا أحق بالخلافة (من الناصر لدين الله) ولم يرتكب كبيرة على ما قيل: وكان في زمانه يؤذن في الحرم «بحيّ على خير العمل»، على مذهب الزيدية، وكتب إليه الخليفة يستدعيه ويقول: أنت ابن العم والصاحب، وقد بلغني شهامتك وحفظك للحاجّ، وعدلك وشرف نفسك، وعفتك ونزاهتك، وقد أحببتُ أن أراك وأشاهدك، وأحسن إليك، فكتب إليه. ولي كَفُّ ضرغام.. الأبيات الأربعة([160]). إلا أنّ فيما ذكره أبو شامة فيها مخالفة لما سبق، في لفظياتٍ يسيرة، منها أنه قال: ولي كف ضرغام أذل ببطشها ومنها: أأجعلها تحت الرحى. ومنها: وما أنا إلا المسك في كل بقعة يضوع وأما عندكم فيضيعُ ففي هذا البيت، مخالفة لما سبق في ثلاث لفظات، والمعنى في ذلك كله متقارب. وذكر ابن الجوزي في كتاب «الأذكياء» ما يقتضي أن بعض هذه الأبيات لغير قتادة، لأنه قال: كان لأحمد بن الخصيب، وكيل له في ضياعه، فرفع إليه عنه جناية، فعزم على القبض عليه، والإساءة إليه فهرب، فكتب إليه أحمد يؤمنه ويحلف له على بطلان ما اتصل إليه، ويأمره بالرجوع إلى عمله، فكتب إليه: أنا لك يا ذا سامعٌ ومطيعُ وإني لما تهوى إليه سريعُ ولكن لي كفّا أعيش ببطشها فما أشتري إلا بها وأبيعُ
أأجعلها تحت الرحى ثم أبتغي خلاصاً لها إني إذاً لرقيعُ ورأيت من ينسب هذه الأبيات لأبي سعد ابن قتادة، واعتمد في ذلك على ورقةٍ رأيتها معه: أنّ أبا سعد([161]) علي بن قتادة، توجه إلى العراق، فلما أشرف على نخيل بغداد أو غيرها من البلاد -الشك مني- رجع وقال هذه الأبيات، ولا دلالة في ذلك، لاحتمال أن يكون أبو سعد، قالها استشهاداً، والله أعلم. ولم أرَها معزوة لأبي سعد، إلاّ في هذه الورقة، وقد عزاها ابن سعيد وأبو شامة وغيرهما، لقتادة كما ذكرنا، وفي ذلك النظر الذي ذكرناه من كلام ابن الجوزي. وذكر المنذري: أن قتادة توفي في آخر جمادى الآخرة، من سنة سبع عشرة وستمائة بمكة. وذكر وفاته في هذه السنة: أبو شامة والذهبي، وابن كثير، وقالوا: إنه مات في جمادى الأولى. وذكر ابن الأثير في «الكامل»: أنه توفي سنة ثمان عشرة وستمائة، في جمادى الآخرة، قال: وكان عمره نحواً من تسعين سنة. وعليّ الأكبر، جدُّ الأشراف المعروفين بذوي علي، وعلي الأصغر، جد أبي نمي([163])، جدّ الأشراف ولاة خُلَيص([164])، ولكلٍ من أولاده هؤلاء ذرية إلى الآن. ومما صنع قتادة أيام ولايته على مكة، أنه بَنى عليها سوراً من أعلاها على ما بلغني، وأظنه سُورها الموجود اليوم، وبلغني أن الذي بوادي نَخْلَة([165]) الشامية، فيما بين التَّنْضُب وبِشْراً، بناء على هيئة الدروب في مسيل الوادي، ليُمكسَ عنده حجاج العراق، وآثار هذا البناء فيه إلى الآن، وأنه بنى على الجبل الذي بأسفل السبط، من وادي نخلة المذكورة، مصبَّا على جبل يقال له العطشان، وآثار ذلك باقية إلى الآن، والله أعلم. قال مؤلفه: كل ما قبل هذا منقول من كتاب الفاسي المسمّى: «العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين» ولعلنا نضيف إليه أية فائدة تحصل من مؤرخي مكة المتأخرين عن الفاسي، رغم أنهم كلهم عنه نقلوا. بنو قتادة: أولاً: من تقديم ذكرهم آنفاً، فنقول: 1- حسن بن قتادة، وستأتي أخباره بعده، ومن ذريته اليوم الأشراف ذوو (هجار) أشراف ينبع. 2- راجح: ستأتي أخباره، ولا تعلم اليوم له ذرية. 3- علي الأكبر: والد أبي سعد حسن، وهذا يعني أن غالب أشراف الحجاز اليوم من ذريته، لأن كل من حكم الحجاز بعده هم من ذرية أبي سعد، ثم أبي نمي... الخ. 4- علي الأصغر: والد الأشراف ذوي علي([166]) الذين في عهد الفاسي، وقد خفي اليوم ذكرهم، كما خفي ذكر بني عبد الكريم، أما بنو علي وبنو عبد الكريم الموجودون في يومنا هذا فهم من الأشراف ذوي بركات بن أبي نمي الثاني، والبون واسع بين العهدين. ثانياً- فيما مر بك أن لأبي عزيز ابنين، هما: 1- عزيز، وبه يكنى: وقيل هو الذي استولى على مكة لأبيه، وقيل: إنه مجرد كنية، والله أعلم. 2- حنظلة: وقيل إنه هو الذي استولى على مكة، بل جزم بذلك في (اتحاف فضلاء الزمن) وهذان ما رأينا من ذكر لهما ذرية، ولما أن ذكر عزيز قليل، فلعله لقب لحنظلة، وغريب من الفاسي أن أسقط حنظلة من أبناء أبي عزيز رغم أنه ذكره أكثر من مرة. 3- وله ابن اسمه إدريس، لم يذكره الفاسي إلا مفرداً مع أنه ملك، وسيأتي ذكره. فهؤلاء سبعة. ثم رأيت ابن عنبة([167]) قد أتى بشيء، أما أن التقي لم يأت به أو أنه عند ابن عنبة أحسن، ولعل الفاسي لم يطلع عليه لحكم المعاصرة، ولكن ما في عمدة الطالب شوش عليه كثير من تغيير الكلمات والتطبيع وقلة وضوح المطبوع، ثم راجعت تأريخ العصامي([168]) فوجدته قد احتوى على ما قاله صاحب عمدة الطالب([169]). قال العصامي([170]): قال صاحب عمدة الطالب: كان قتادة جباراً فتاكاً فيه قسوة وتشدد، وحزم، وكان الخليفة في زمانه الناصر العباسي، فاستدعى الناصر الشريف قتادة إلى بغداد ووعده ومناه فأجابه إلى ذلك، وسار إلى أن وصل إلى العراق [ثم إلى مشهد الفروي، فخرج أهل بغداد لتلقيه، وكان ممن خرج في غمار الناس رجل درويش معه أسد مسلسل]([171]) فلما نظر إليه الشريف قتادة تطير، وقال: ما لي ولبلد تذل فيها الأسود؟ فرجع إلى الحجاز، وكتب إلى الخليفة بقوله: بلادي ولو جارت عليّ مريفة ولو أنني أعرى بها وأجوعُ ولي كف ضرغام إذا ما بسطتها بها اشتري يوم الوغى وأبيعُ أأتركها تحت الرهان وابتغي بها بدلاً إني إذاً لرقيعُ وما أنا إلا المسك في غير أرضكم أضوعُ وأما عندكم فأضيعُ فلما وقف الناصر على هذه الأبيات، استشاط غضباً وامتلأ حنقاً وحرباً، وكتب إلى الشريف قتادة يقول: أما بعد: فإذا نزع الشتاء جلبابه، ولبس الربيع أثوابه، قاتلناكم بجنود لا قبل لكم بها، ولنخرجنكم منها أذلة وأنتم صاغرون. فلما قرأ الكتاب الشريف قتادة ارتاع لذلك أشد ارتياع، وأرسل إلى بني عمه بني الحسين (ابن علي) بالمدينة يستنجدهم، ويسألهم المعونة، وصدَّر الكتاب بقوله.. بني عمنا من آل موسى وجعفر وآل حسين كيف صبركم عنَّا بني عمنا إنا كأفنان دوحة فلا تتركونا يتخذنا الفنا فنّا إذا ما أخٌ خلى أخاه لآكلٍ بدا بأخيه الأكل ثم بذا ثنّى فأتته منهم رجال النجدة ذوو العدد والعدة، فلما أقبلت تلك الكتيبة الناصرية، كسرها وبدد شملها وقهرها، فلما بلغ ذلك الناصر العباسي، وإلى عليه الإنعامات الكاملة، وأقطعه الإقطاعات الطائلة. وقال صاحب عمدة الطالب، أيضاً: ولقتادة إخوة وعمومة، وأعقب هو من (تسعة رجال) ويقال لعقبه القتادات. ولكن لم يعدد أسماء أبناء قتادة ولم يذكر منهم إلاّ حسناً وراجحاً. أما إخوته، فلم أر من ذكر منهم إلاّ (صرخة بن إدريس([172])) وسيأتي في ترجمة حسن ابن قتادة الآتية. أما أعمامه، فلم أر من ذكر منهم إلاّ (ثعلب بن مطاعن بن عبد الكريم) وبقية النسب تقدم في قتادة، وبنو ثعلب يعرفون اليوم بالأشراف الثعالبة، ولهم قرية الغالّة، على مقربة من بلدة الليث مما يلي الشام([173]). قال مؤلفه: قد عددنا فيما تقدم سبعة من أبناء قتادة، ثم رأيت صاحب الدار الكمين ذكر لقتادة ولداً لم يذكره غيره، قال: حُميد بن أبي عزيز قتادة.. الخ. ولي مكة نيابة عن والده في سنة سبع وتسعين وخمس مائة، أو في التي بعدها أو في التي بعدها([174]). وبوجود هذا الابن الثامن تظهر صحة قول صاحب عمدة الطالب.

 





  رد مع اقتباس
قديم 05-07-2010, 11:28 PM رقم المشاركة : 7 (permalink)
وكيل المويلح
ـــــــــــ
 
الصورة الرمزية وكيل المويلح






وكيل المويلح غير متواجد حاليآ بالمنتدى

افتراضي

الإشراف القتاديين إعلام على رؤسها نار واشهر وأكبر من يتجرا عليهم أحد كبيرا كان أم صغيرا كان ولا زال وسيظل لهم دور كبير في الحجاز تاريخا وثقافة وأدبا وسياسة وكياسة ورئاسة وعلم وحضارة وخدمة للمسلمين عامة **والمقدسات **وهم أصحاب فضل ويدن لهم الكثير من المسلمين في. حماية الدين والأعراض وإقامة العدل الشرع في بلاد المسلمين من خلال حكمهم لمكه المكرمة والحجاز وتحريرهم للبلاد العربية من وبذلهم الغالي والنفيس في سبيل ذلك وضحوا بالكثير **من أجل هذا الهدف النبيل قاتلوا وناضلوا وحموا الديار وحرروها ووضعوها على الطريق والمسار الصحيح في طريق المجد والنهضة والمكان الذي يليق بالأمة العربية تاريخا ومستقبلا . سيظل القتاديين بياضا ناصعا ووجها مشرقا وبدرا مضيئا وشمسا مشرقة ولا يضرهم و لإيوثر فيهم قول صغيرا حاول جانب جادة الصواب وسيعود للصواب آجلا أم عاجلا ان شاء الله . لأن الشمس لاتحجب بغربال . لقد هالني وأعجبني وسر خاطري حجم العلم والأدب والثقافة والتواضع والحجج والبراهين التي ساقها من أعد تلك المذكرة وهذا بالتأكيد غير مستغرب على نبغ من ينابيع العلم والتاريخ والدين نسأل الله لكم التوفيق والسداد وان يمنحكم العز والنصر وان تكونوا يدا واحدة وسدا منيعا في وجه كل من يحاول التطاول أو. ينال من تاريخكم العظيم المسطر بالمجد والعز . والله**

 





  رد مع اقتباس
قديم 05-08-2010, 01:55 AM رقم المشاركة : 8 (permalink)
شمس الحقيقه
عضو جديد





شمس الحقيقه غير متواجد حاليآ بالمنتدى

افتراضي

([1]) بالصك الشرعي رقم (115/4/ج) وتاريخ (2/2/1430هـ) الصادر من فضيلة الشيخ محمد بن أمين بن عبد المعطي مرداد القاضي بالمحكمة الجزائية بمحافظة جدة والمؤيد بقرار محكمة التمييز رقم (1068/ 2/1/ج) وتاريخ (6/6/1430هـ).


صور الصك المشار إليه أنفاً:-



۞صورة رقم (1)



۞صورة رقم (2)



۞صورة رقم (3)
۞في السطر الأخير , والذي قبلة بهذه الصفحة من الحكم ورد ما نصه ((ومصادقتي أنا وشيوخ الأشراف)). قام بإنتحال صفة شيوخ الأشراف الرسمية وألبسها على من معه من القطيع بكل بساطة قال ذلك دون خوف ولا إكتراث لأي أمر. ۞




۞صورة رقم (4)



۞صورة رقم (5)



۞صورة رقم (6)



۞صورة رقم (7)
(لقرار محكمة التمييز رقم (1068/ 2/1/ج) وتاريخ (6/6/1430هـ) الذي أكتساب الحكم القطعية).
 





  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
الأعضاء الذين قرأو الموضوع :- 35
@marwan@, ملاذ الطير, محمد الجهني, مصطفي الجبالي, الماجيك, البد يوى, البرواااز, الجود, الرزين, السيدمحمدالجعفري, السرمدي, الشريف العذبي, الشريف النموي, الشريف بن شاكر, الشريف سلطان القروني, الشريف عصام الهجاري, الوافي, القلعة, ابو ياسر, ابو سلطان, ابو وادي, ابوتركي الاول, ابوغلا, خليل المويلحي, راشد بن مساعد, راعي جريسان, رئيس التحرير, شمالي, شمس الحقيقه, شرماء, غوادي الشريف, V.I.P, volunteer, وحشني زمانك, وكيل المويلح

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:25 PM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 , Designed & TranZ By Almuhajir
 
:+:مجموعة ترايدنت للتصميم والتطوير والاستضافه:+:

:+:جميع الحقوق محفوظه لمنتدى المويلح :+: