[align=right]مقتطفات من كتاب علاج النفس للأديب محمد بن أبراهيم المويلحي " المويلحي الصغير"
الغضب
أعلم –وفقنا الله وإياك الى الرشد- أن مانسميه بصروف الدهر وإحن الزمن ومحن الحياة ومصائب الدنيا وأكدار العيش وسوء الحظ يتولد كله من رذيلة الغضب . ويقول الفرنسيون عند كل حادثة : "فتش عن المرأة" فكذلك إذا رأيت بلية من البلايا ونازلة من النوازل فأبحث فيها تجد أصلها من بذور الغضب .
فالغضب أبشع أمراض النفس كما أن الجذام أبشع أمراض الجسد . والغضبان يشترك مع المجذوم في تشويه الوجه وطمس معالم حُسنهِ ، ويزيد عليه كونه مصدر النوائب ومنبع الرزيا وفي الحديث الشريف : "فرّ من المجذوم فرارك من الأسد" والغضبان أسرع من الأسد بادرة في أنواع الشرور وأسباب المهالك .
وقد عرف أحد العقلاء الغضب فقال : " الغضب جنون متقطع " وإنك لونظرت الى الغضبان وهو في اختلاط عقله واختباط جسمه وتقلص شفته وبحة صوته وازدحام أنفاسه واحتدام وجهه وانتفاخ اوداجه وارتعاش يده واضطراب عصبه وخفقان قلبه وغليان دمه وقذف فمه بالزبد وعينه بالشرر لحكمت حكما قاطعاً بأن المجنون أسلم عقبى وأقرب للحسنى ولو أبصر الغضبان وجهه في المرآة وهو على على هذه الصورة المنكرة التي تقذى العيون بالنظر إليها لأستحيا من نفسه ، ولخجل ممن يراه وقد وقد دخل رجل على " أفلاطون " الفيلسوف فرآه منحنياً وبيده سوط وأمامه خادم كان يشرع في تأديبه فلما أدرك الحالة التي عليها الغضبان في غضبه أمسك عن ضرب الغلام وكظم عيظه وبقي منحنيا ذلك الأنحناء . فسأله ُ الرجل عن هذه الوقفة فقال الحكيم : " أردت أن أضرب هذا الخادم فلما رأيت نفسي على هذه الهيئة قصدت تأديبها بالبقاء عليها حتى تتوب عن غيها .وقال النبي عليه الصلاة والسلام :" ليس الشديد بالصرع وأنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب " ولو جعلت لأحد المترفين المتأنقين الذين يقيسون خطاهم بمقياس ويبتسمون بمقدار ويلتفتون بميزان ضيعة من الضياع على أن يقطب وجهه ويقلص شفتيه وينكر صوته ويتابع زفراته ويشرق بريقه لأستنكف لنفسه ان يفعله ولكن أغضبه بدانق تضحك من هذه الصورة أياما ً.
وكم فتح الغضب أبواباً للسجن ، ونصب أعواداً للصلب ، وفتل أحبالاللشنق وبسط النطع وسل السيف وأضرم ناراً للحروب وقد يسترالعقلُ وآفات النفس ورذائلها إلا الغضب فأنة يسترالعقل ، ولايتغلب على ظهوره شئ بل تراه يشق الجسم، ويبرز منه شاكي السلاح، فيقطع أواصر القربي ،ويفصم عرا الأبوة والبنوة ، بل عرا الإمامة والنبوة .
وللغضب درجات يصعد اليها، واحدة إثر أخرى حتى يصعق صاحبه ويذهب برشده ولبه ، يطير بصوابه ، ويجعل جسمه جمرة تضطرم ، جذوة تشتعل .
والغضب كالحريق أولة شرارة ثم يكون منه مايهول سماعه ويغول منظره ، ولهذا يمكن العاقل بادئ الأمر أن يطفئ تلك الشرارة ، ولكن يتعذر عليه أن يطفئ نار الغضب إذا هي شبت واستعرت.
وأخف الغضب ما أنتشر على اللسان بالشتم والسب والصياح ، وأشده مايبقى محصوراً في الصدر ، يزاحم بعضه بعضاً ، فلايلبث أن ينفجر بالتهور والجنون انفجار المرجل أنحصر فيه البخار.
يتبع [/align]