اخر عشرة مواضيع :         :: لقاؤنا بالمويلحيين " الحلقة الثانية " (آخر رد :القلعة)       :: من وثائق الأشراف الوكلاء المويلحيين بالمويلح (آخر رد :القلعة)       :: الهوى غلاب (آخر رد :ابو فايز)       :: لها فز قلبي فزة الطير ابو جنحان (آخر رد :ابو فايز)       :: البقاء لله في فقيد المويلحيين (آخر رد :القلعة)       :: لمن يهمه الأمر(الأصل الأصيل في زرعات الوكيل) (آخر رد :الشريف مصعب بن علي الوكيل)       :: أهل المويلح مكملين المواجيب (آخر رد :وكيل المويلح)       :: سيرته مثل ريح البخور (آخر رد :وكيل المويلح)       :: عبدالله من سلاطين الرجال (آخر رد :وكيل المويلح)       :: حيّ الوكيل (آخر رد :وكيل المويلح)      
العودة   منتدى المويلح - Al-Muwaylih > الساحـــــــــات العامة > ساحة المويلحي الأدبية
اسم العضو
كلمة المرور
الإهداءات

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-04-2010, 02:46 AM رقم المشاركة : 1 (permalink)
القلعة
المدير العام
 
الصورة الرمزية القلعة





القلعة غير متواجد حاليآ بالمنتدى

افتراضي رسائل المويلحي الرائدالاول للقصة المعاصرة

رسائل المويلحي الرائد الأول للقصة المعاصرة

محمد رجب البيومي

تاريخ النشر: 28/06/2010
اقرأ للكاتب
(كبرياء الألم)


حين انتقل الكاتب الكبير الأستاذ محمد المويلحي إلى رحمة ربّه , رثاه أحمد شوقي بقصيدة قال فيها :
عجِب الناس من طباع المويلْحيّ وفي الأُسْد خلقه وطباعه
فيه كبر الليوث حتى على الجوع وفيها إباؤه وامتناعه
يا وحيد الكأس في كسر بيت * ضيق بالنَزيل رحب ذراعه
كل بيت تحلّه يستوي عندك في الزهد ضيقه واتساعهُ
ورثاه حافظ إبراهيم بقصيدة قال فيها :
كنت نعم الصبور إن حزب الأمر وسُدَّت مسارح الأسباب
مؤثر البؤس والشقاء على شكوى وإن عضك الزمان بناب
وترى وحشة انفرادك أنساً * بحديث النفوس والألباب
ونبذت الثراء تبذل فيه * من إباء في بذله شرّ عاب
ورثاه خليل مطران بقصيدة قال فيها :
كان بالنفس يكتفي عن عباد الله ما يستطيع أن يتفرّد
ليس فيه عُجْب وإن كان في ظاهره العُجْب , والفتي , ماتعود
بيته ضيق ولكنه من عزة النفس في طراف ممدَّد
رحم الله في الرفاق رفيقا * كل يوم مكانه يُتَفقَّد !
وهكذا اجتمع الثلاثة الكبار في تصوير هذه العزلة القاسية التي ظلت قرابة خمس عشر عاما ديناً لكاتب كان الأول بين كُتاب عصره في رأي الكثيرين , وغريب أي غريب أن تموج الدنيا بالأحداث فتشب الحرب العالمية الأولى حادّة ماحقة , وتقوم الثورة المصرية سنة 1918 هائجة مائجة , وتمتلئ الصحف والمجلات بآثار الأدباء والمتأدبين , ويظهر على مسرح السياسة كُتاب يفخرون بالتلمذة الدائبة على أدب المويلحي , والأستاذ صامت لا يُبن !
كان المويلحي الغلام والشاب مُمَتَّعا بفيض من النعيم , إذ نشأ نشأة الأثرياء المترفين , وعين في وظائف حكومية أضافت الطريف إلى التليد , ثم انعكس الحال فبيعت كثرة ما يملك أبوه من العقارات , وفقد وظيفته الكبيرة في إدارة الأوقاف فجأة , وتذاءب القائمون على استثمار البقية من ممتلكاته فلم يوفوه حقه , فاضطر إلى الانزواء في منزله قانعا بالكفاف , وكان في معارفه من كبار رجال الدولة من يستطيع إسعافه بمنصب يسعده لو عرض بالرجاء , ولكنه ترفع وتأبى , وأخذ يعالج حياته على المتاح النزر من مورده , وإذا كان مظهره الشخصي يتطلب الإنفاق خارج المنزل في مجالس السمر , فليكف عن هذه المجالس , ولتكن الحدة القاسية معتصَمه الضروري , ولا بد أن يكون ذا سيطرة خارقة على نفسه , حتى استكانت للتفرد , وقنعت بالاعتزال .
قد يقال ولكن هل تمنع العزلة المتفردة أدبيا كبيرا أن يسطر ما يجيش به صدره من الخواطر ؟ إن المويلحي قارئ مستوعب لم ينقطع عن الاطلاع في غير أوقات المرض , وهو كاتب اجتماعي سياسي وناقد أدبي , وقد طارت شهرته في هذه الأغراض قبل أن يكتهل , أفحين تشب الحرب وتصطلي مصر بنارها المحرقة إذ كانت جيوش الاحتلال حينئذ تهيم بها ناهبة غاصبة , ثم حين تندلع ثورة الأمة بقيادة سعد , فترتجّ الأرض رجًّا بما يسيل من دم الشهداء , ويمزق من أجساد الأبرياء , ويعتقل من شباب الأمة وشيوخها , أحين يحدث ذلك كله يحجم الكاتب الكبير عن قيادة قومه بالرأي كما كان يفعل في أيام كرومر وغورست ؟! هذا سؤال قد تتعذر الإجابة الشافية عنه ! وإخاله رأى في تطاحن الأحزاب , وتشاجر الزعماء ما دفع به إلى السأم ! بل إخاله رأى بين من اتخذوا الكتابة السياسية وسيلة للظهور الكاذب دون اقتناع بالوجهة الصحيحة نفرا ملئوا الصحف , وطارت لهم شهرة , وحسبوا أنفسهم على شيء , وهو بميزاته الخاصة يعلم أنهم هباء , فربأ بنفسه أن يجري معهم في شوط , وللحمية الأدبية عزة دونها حمية الجاهلية في القديم , ولكنها مع ذلك شيء ملموس أحس به من قال :
وتجنبَتِ الأسودُ ورودَ ماء * إذا كان الذئاب ولغن فيه !
هذا افتراض يساق , وليس دليلاً يبرهن .
(رسائل المويلحي)


كتاب (حديث عيسى بن هشام) وكتاب (علاج النفس) هما أثرا المويلحي المجموعان في حيز مستقل , وقد تحدثت عنها في غير هذا المكان , ثم سعدت بقراءة بعض رسائله التي اهتم بتدوينها بعض الدارسين , فرأيت أن تكون مجال الحديث عنه اليوم , والمويلحي منذ عرف رسالة القلم , وحمل أمانته قد اشرأب إلى مراسلة الرءوس من ذوي المكانة , وقد كان جمال الدين الأفغاني ألمع مفكر في عصره ، لا لأنه عرف من العلم ما لم يعرفه سواه , بل لأنه ترجم العلم إلى عمل حي متوثب , فقد قرأ على طلابه بمصر دروس الفلسفة ليشرئب بعقولهم إلى آفاق الحرية , وليؤكد كرامة الإنسان في حياته , ومن هنا تحول الطلاب إلى دعاة حرية , وجنود استقلال فهبت العواصف في كل مكان على الاستعمار , وزاد جمال الدين توهجا وبريقا , وكان صديقا لابراهيم المويلحي والد الكاتب الناشئ محمد المويلحي , فأراد الشاب الطامح أن يشد أواصره بزعيم الحرية في عصره فأطلعه على بعض ما يكتبه في الصحف , راجيا أن يظفر بتنويه يشجع , أو تصويب يسدد , ولم تُلْهِ السيد الأفغاني شواغله الجمة عن كتابة رسالة معبرة مزكية , كانت موضع الزهو من الأديب الناشئ والارتياح من والده وعمه وهما من نابهي العصر ! فحرص على إذاعتها , ونشرها في صدور الطبعة الأولى من (حديث عيسى بن هشام) بعد خمس عشرة سنة من كتابتها , قال في تقديمها :
"أهدي هذه الرسالة التي اختصني بها المرحوم الأستاذ جمال الدين الأفغاني بخطه الكريم منذ خمس عشرة سنة , إلى جماعة أهل الفصل والأدب , لما تضمنته من الحث على طلب العلم , وأدب النفس , ولحسن أسلوبها في كتب المودات , وهي لا تزال عندي إماما يهديني , ونورا استضيء به , فأردت أن أشاركهم في هذه الذخيرة التي يحق الضن بها , والحرص عليها , ونقلتها هنا بصورة خطه الشريف , تخليدا لأثر تلك اليد الكريمة . وإذا قدَّرنا أن الشرقيين يتنافسون تنافس الغربيين في اقتناء الرسائل , التي تكون قد صدرت عن بعض عظماء الرجال بخطوطهم , ويتسابقون إلى الحصول على بعض أدوات كتاباتهم , ويبذلون في سبيل ذلك من الأموال والمساعي ما لا يقدَّر فإني أكون قد أهديت لأهل الفضل هدية يعتدون بها , ويتقبلونها بالقبول الحسن إن شاء الله" .
(رسائل الأفغاني)


وإذا كان المويلحي قد حرص على تسجيل رسالة الأفغاني اقتداء بتنافس الأوربيين من تخليد رسائل ذوي الفضل , فإنني - مع هذا المنطق الصحيح - أحرص على إذاعة بعض الرسائل التي كتبها المويلحي نفسه , لأن ريادته الأدبية في عالم الفكر المعاصر تجعل آثاره مما يصان ويحفظ ! وقد كتب إلى جمال الدين الأفغاني , وهو في سن العشرين رسالتين تنبئان عن مجد أدبي أشرق فجره , وبدت تباشيره , وعلى القارئ أن يدرك حقيقة الأسلوب الأدبي للكتابة سنة 1884 من الميلاد , ليعرف كيف اجتاز الأديب الناشئ أوهاق المحسنات اللفظية , وخدع التعبيرات الشكلية ليعبر عن الحقائق تعبير البياني الأصيل , وقد كان الأفغاني محارَبا مضطهداً , لا يكاد يستقر في بلد حتى يزعَج إلى الارتحال مرغما , وقد عميت الأنباء عن موطنه حقبة من الزمن , ثم عرف المويلحي أنه مقيم في بطرسبرج بروسيا , فكتب إليه رسالة قال فيها – ببعض الاختصار : "شيئان في هذا العالم - أيها الفيلسوف - يقصر فكر العالم الراسخ في العلم دونهما , ويقف الباحث المدقق موقف الحيرة في أمرهما , ويرجع المستقصي لماهيتهما ساخطا على مبلغ علمه , متجهما في وجه عقله , مستصغرا ما استعظمه من قدر نفسه , أولهما كنه القوة التي تدفع كرة الأرض حين دورتها حول الشمس , وعلة النظام الذي ما خرجتْ عنه مدى الدهر في كل يوم وأمس , وثانيهما كنه همتك حين تدور بك في عين تلك الكرة , قاطعا مفاوزها , طاويا فيافيها وفدافدها , سالكا في مغالقها , مطقا مغاربها بمشارقها .
إذ جارتك شهب الليل قالت : * أعان الله أبعدنا مرادا
وحتى كأنك استصغرت الأرض دارا وعزمت أن تهدي النجوم منك فرارا ، فلذلك قادتك همتك السيارة في أنحاء الأرض تبتغي أقرب نقطة إليها مطلعا , وأسهل موضع تنتجه لك مصعدا , وأقسم لو أن النجوم ذوات عقل لعقدت لك من أشعتها سلما , ولانخفضت من منازلها لترتفع بك عقدا على نحرها منظما , فتنال بها من مسافة المجد أقصاها , ومن نهاية الرفعة أعلى رتبة وأسناها" .
مرة أخرى أذكّر أن الأسلوب أسلوب ناشئ في حدود العشرين , وأن الزمن زمن العبث بالمحسنات , وقد استطاع الأديب الواعد أن يعلو على أمراض الكتابة في عصره وعمره , فكتب هذا الذي اقتبست بعضه وتركت أكثره , وأول ما نلحظه فيما نلقاه أن الشاب الواعد كان ذا فكرة محددة يدور حولها وكان صاحب ريشة مصورة تظهر هذه الفكرة في سياق من التشبيه المحكم ذي الوجوه الشتى , والالتقاءات المتقاربة , كما كان صاحب تعبير ناصح يلقى بالمراد , سافرا لا يحجبه نقاب ! وإذا لم يكن هذا كله أضواء فجر , وتباشير شروق فماذا يكون ؟
(إلى سعد زغلول)


زعيم مصر الخالد سعد زغلول ذو مكانة أدبية تعدل مكانته السياسية فقد كان محررا في يفاعته بمجلات كثيرة , واشترك مع محمد المويلحي في الثورة العرابية ، ثم تفرقت بالصديقين السبل ، حيث اتجه سعد إلى القضاء ومسائل الفقه والقانون ، واتجه الموليحي إلى إيقاظ الوعي اجتماعيا وسياسيا بما ينشر من حديث (عيسى بن هشام) , ثم اختير سعد وزيرا للمعارف فكتب له المويلحي خطابا مهنئاً ومزكيا ومقترحا , مؤكدا رجاء الأمة في علو همته , وما تتوقعه من أفضاله , وقد تأثر سعد بخطاب صديقه حتى بكى خشية ألا يكون عند حسن الظن به , وتفرقت السبل بالصديقين مرة أخرى , فعكف المويلحي في عزلته صامتا عازفا . وأصبح سعد زعيم الأمة ورئيس الوفد والوزارة فهاجت مشاعر الصديق القديم , وكتب إلى الزعيم رسالة قال فيها :
"ذكرت اليوم خطابي الذي أرسلته إليه منذ أعوام كثيرة أهنئه فيه بتوليه نظارة المعارف , وكنت بسطت ما أعلمه من عظيم فضله , وجليل قدره , وما يتوسمه أهل النظر في علو همته لخدمة أمته , وأذكر أني قابلته بعد ذلك في مجلس من مجالسنا الماضية , فتفضل علي بأن أظهر لي حسن وقع الكتاب لديه , وأنه أثر في نفسه تأثيرا دفعه إلى البكاء , فصرفت ذلك حينذاك إلى أن عبارة الكتاب أثارت في نفسه ثائرة الهمة للعمل بما ينفع الناس , ثم أحس بما كان يعترضه في ذلك المركز من الحصر والتقييد , وضيق المجال عما يتسع له فضله من جلائل الأعمال وعظيم الأمور , وجاش صدره فأجهشت بالبكاء عينه , فكان مثله مثل الفارس مقيدا في الإسار , والجواد مشكولا في المضمار .
وأتعبُ خلقِ الله من زاد همه * وقصَّر عما تبتغي النفس وُجده
وقد دارت الأيام وسمحت الأقدار , فصدق فيه القول , وتحقق الظن ، واجتمعت الأمة على فضله وألقت بمقاليدها إليه ، ولم يبق أمامه من حائل دون العمل بفضائله ومواهبه في حلبة النفع العام , فإذا أنا تقدمت إليه اليوم بالتهنئة , فإنما أتقدم له بتهنئة كلها هناء وصفاء لا محل فيها للألم والبكاء ، فقد اجتمع لك العقل والفضل , والحل والعقد ، لولا إشفاق الناس عليك مما في دور العمل هذا من التعب والنصب واحتمال المشاق , إلا أن الرئيس الجليل ظهر للناس بأنه يستعذب الآلام في خدمة أمته , فيجتهد لتنعم ، ويشقى لتسعد ويسهر لتنام , فما يراه غيره عذابا أليما , يجده في حبها نعيما مقيما , وقد قال أحد طلاب المعالي في الزمن الخالي :
سبحان خالق نفسي كيف لذتها * فيما النفوس تراه غاية الألم
فليتقدم الرئيس بعون الله إلى احتمال المكاره في سبيل حل المشكلات , وفك المعضلات , فله في كل معضلة لذة ، وفي كل مشكلة نشوة , وللأمة المصرية من عزمه ما يكفل تيسير العسير , ويضمن حسن المصير إن شاء الله" .
والرسالة لا تقتصر على التهنئة كما يرى القارئ بل تدفع إلى مواصلة الجهد الدائب في سبيل الرقي التام للأمة , وقد كانت الموازنة بين سعد الوزير في العهد السالف - وسعد الزعيم في العهد الحاضر مما يفسح باب الأمل في نفوس الناس جميعا , وهو ما عرفه المويلحي فأجاد التعبير عنه إجادة السياسي الحصيف ، وهو ما التفت إليه سعد زغلول التفاتا قويا حين كتب ردا أخويا على رسالة المويلحي فقال :
"تناولت بيد الشكر كتابك , وراقني منه أدبك الغزير , وإخلاصك الوافر , أما استحضارك للماضي بمصاعبه ، وتفاؤلك بالمستقبل مع ما وقع من متاعبه ، فقد صادف مني قلبا واعيا , ونفسا راضية , وإما إشفاقك على صحتي لقيامي بالواجب ، ملبيا في ذلك داعي الوطن ، فقد قلت وقولك الحق : إنني ممن يستشعر اللذة بالألم , ويجد الراحة في التعب , في سبيل بلادي , فلها ما عشت قوتي وحياتي . أسأل الله السداد في الرأي , والصواب في العمل , وأن يسمعني عنك ما يُسر له خاطري , وتطيب به نفسي والسلام عليك ورحمة الله" .
(إلى عبد السلام المويلحي)


هذا البطل السياسي الكبير كان علما من أعلام المجلس النيابي في عصره , إذ رأس المعارضة الوطنية في وجه الأجانب وتقدم برغبات الأمة في خطب رنانة سجلتها صحف التاريخ السياسي كما بسط مقالات انتقادية وتصور حقوق المهضومين من أبناء الشعب , وترسم غطرسة الصغار من الدخلاء الذين يترأسون الإدارات الحكومية دون كفاءة , وقد كان يأخذ على ابن أخيه (محمد المويلحي) هنات يسيرة يرى فيها اندفاعا لا يحمد , ثم رأي أن يصفح عنه , فأرسل له , وكان بالأستانة , هدية رمزية ومعها خطاب يعلن رضاه ، فتأثر محمد المويلحي بموقف عمه منه وكتب إليه رسالة قال فيها :
"وصلتني هديتك , وجلُّ ما سرني منها العناية بي من مرسلها , وإني أهديك أعز شيء عندي بعدك , وأنفس حاجة لدى بعد نفسك , وهي نفسي , تتصرف فيها كيف أردت , وما أشك في أنك تعيرها قبولا جميلا , بعد أن صقلتها الحوادث والتقلبات , وهذبتها يد العلوم واللغات , فصارت جديرة بعنايتك , وأهلا لرعايتك , وهي ليست نفس محمد الذي كان بمصر يلعب به دم الشباب , فيحيد في سيره عن الصواب , ويجوز عن خط ترسمه يد حكمتك أحيانا , ليس عمدا لكن ذهولا ونسيانا ، ويعمل الخطأ على أنه يعلمه ويتسبب في نفورك , وكان ذلك يؤلمه , فالشكر لك يا والدي على تغاضيك عن سوء أفعالي تلك المدة , والحمد الله على عدم استعمالك الغضب والشدة , فقد علمت أن استعمالها وأنا في نار الشباب لا يفيد نفعا , وإنما يزيدها اشتعالا وحقدا , ورأيتَ بعد أن علمت سلامة قلبي أن معاملتي بالحلم والتغاضي , توجب لي أسفا وندما يقومان مقام التأديب , ويغنيان عن الترهيب , وحاشا لك أن تخطئ ، فقد نجح معي هذا العلاج , وعملتُ بما نصحتني به يوم سفري , فجهدت في تحصيل ما يجعلني جديرا بك , وما يغفر لي لديك ما تقدم من ذنبي ، فاقبل هذه النفس التي صنعتها بيديك , فهي هديتك عندي , لا بل هي أمانتك ردت إليك والسلام" .
(رسالة إلى الأمة)


بعد خمس سنوات من اعتزال المويلحي في صومعته , جد من الأحداث السياسية ما أثار خواطره , وقلقل أمنه , فرأى أن يبعث إلى الأمة المصرية رسالة ناصحة حين تأزمت الأمور بين انجلترا وزعماء مصر , وقامت الثورة الدامية في كل إقليم وكانت مفاجأة كبرى للذين تلمسوا صوت الكاتب الكبير عدة سنوات فلم يسعدوا به , حتى إن جريدة الأهرام بادرت بنشر الرسالة في صدر الصفحة الأولى تحت عنوان (صوت من العزلة) ، ولم يشأ الكاتب أن يتأنق في أسلوبه البياني كعادة القراء به , بل جعل الرسالة خطبة منبرية , تمس القارئ العادي ببساطتها الواضحة , لأن حرارة الصدق أقوى من خلابة البيان مهما كان الأسلوب تقريريا مباشرا يتجلى في مثل هذه العبارات :
"اليوم لا رئيس ولا مرءوس , ولا سعد ولا عدلي , ولا مشارب ولا مذاهب , بل كل مصري رئيس نفسه , وصاحب أمره , وخادم أمته , فيكون الفرد كأنه أمة , والأمة كلها فرد واحد , اليوم يبتسم فيه السيد جمال الدين في قبره ابتسامة الرضى والاغتباط إذ يرى المصريين جميعا على كلمة واحدة , فإنه رحمه الله لم يقل كلمته المشهورة : (اتفق المصريون على ألا يتفقوا) إلا من باب التوبيخ لا من باب التقرير , ومن جهة التقريع لا من جهة التشنيع , ليستثير بها الهمم , ويستفز العزائم " . والرسالة مسترسلة تمضي لغايتها في حمية وإخلاص .
(رأي العقاد)


حين انتقل المويلحي إلى رضوان ربه , وفّاه كبار الشعراء حقه من التأبين على حين سكت كبار الكتاب وكلهم تلاميذه من أمثال الرافعي والمازني وهيكل وطه حسين ، وهو تقصير تلافاه الأستاذ عباس محمود العقاد إذ شيع الراحل الكريم بمقال تحليلي قال فيه تحت عنوان (كلمة تقدير) :
"المويلحي ذو فضل في عالم الأدب الحديث لا ينكر , وصاحب مكان في كتابة العربية لا ينسى , مادام للكتابة العربية في جيله خبر يذكر , فهو بداية المستقلين في الأدب المنثور , والرائد السابق في طليعة الكتاب الذين أخذوا يكتبون , وهم يعنون ما يكتبون , ويتناولون القلم ليسطروا شعورا يحسنونه ، أو رأيا يفقهونه , فإذا ذكرنا ذلك الزمان , والزمان الذي سبقه , وأحضرنا في أذهاننا مثلا مما يُكتب فيه ويحفظ ويستحسن , فإننا حريون أن نعرض للمويلحي قيمة استقلاله , وأن نزرع الخطوة التي خطاها بالكتابة العربية في زمانه , حسب الكاتب في عصر التقليد أن يكون مستقلا في أسلوبه , وحسب الكاتب المستقل أن نرى فيه نموذجا واضحا حقيقا بالتسجيل في الأدب والتاريخ , فإذا سألتني عنه , أي نموذج هو ؟ أجبتك بإيجاز هو نموذج ابن البلد القاهري في أواخر عهد الظرف البلدي وفي أوائل عهد الحضارة الأوروبية , وهو أحد الأدباء القلائل الذين علموا الناس في جيلهم وظيفة الكاتب , وأفهموهم بالقدوة الماثلة أن للأديب منزلة غير منزلة النديم أو الطفيلي , أو مضحك المجالس والأعراس" .
وكلام العقاد يضع المويلحي الرائد موضعه الصحيح .
المصدر: مجلة الهلال 12/1995.

 





  رد مع اقتباس
قديم 07-05-2010, 12:27 PM رقم المشاركة : 2 (permalink)
خليل المويلحي
نائب المدير العام






خليل المويلحي غير متواجد حاليآ بالمنتدى

افتراضي

أشكرك أخي القلعة على نشر هذه الدرر، وكانت جريدة الأهرام قد عرضت على محمد المويلحي أن يكتب لها لقاء 40 جنيها للمقالة الواحدة، فآثر العزلة قائلا مقولته الشهيرة "قلم المويلحي لا يباع".
الشيء الآخر الذي أود ذكره هو أن عبد السلام المويلحي كان يخاطب محمد المويلحي بلقب "ابني الحبيب" في صدر كل رسالة شخصية.

 





  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
الأعضاء الذين قرأو الموضوع :- 9
المويلحي الصغير, الشريف العذبي, الوافي, القلعة, خليل المويلحي, شبيه الريح, عز الرهيد, volunteer, وكيل المويلح

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:08 PM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 , Designed & TranZ By Almuhajir
 
:+:مجموعة ترايدنت للتصميم والتطوير والاستضافه:+:

:+:جميع الحقوق محفوظه لمنتدى المويلح :+: