جمال الدين الافغاني كيف نفي من مصر وكيف عاش في الخارج
السيد جمال الدين الافغاني هو باعث النهضة الحاضرة في مصر والشرق الدنى فهو الذي علم الأمام محمد عبده وغيره من المصريين وبث فيمن اتصل به روح الوطنية ومحبة الحرية ، في هذا المقال ذكريات طريفة عنه استخلصناها من بعض ماكتبه الاستاذ اشيل بك صقيلي ومن معلومات وصلنا اليها .
وفد السيد جمال الدين الأفغاني على مصر وأستقر به المقام فيها أستخلص له من المصريين أصدقاء مخلصين له يعاونونه على الى القومية والدستور وفي مقدمة هؤلاء الأصدقاء عبدالسلام المويلحي بك (باشا فيما بعد ) النائب الجريء والكاتب البليغ في ذلك الوقت وكان الأثنان متصلين بالأمير توفيق باشا ولي العهد حينئذ ، وقد جمعهما معه لوج ماسوني واحد هو لوج كوكب الشرق وقد وجدا في الأمير اتفاقا معهما في الميول الحرة والمبادئ الوطنية وكان مثلهما ناقما على تدخل الأجانب في شؤون مصر ذلك التدخل الذي بدأ يشتد في عهد أبيه المغفور له الخديو إسماعيل بسبب الديون التي تكست على البلاد .[imgl]https://lh5.googleusercontent.com/-6K88UYN-rFQ/T69dXaf89-I/AAAAAAAAAuk/rc4jC0xnCUY/s253/473485894.jpg[/imgl]
لذلك حق للسيد جمال الدين الأفغاني وللسيد عبدالسلام المويلحي ان يفرحا أشد الفرح لصعود صديقهما الأمير توفيق الأريكة الخديوية على أثر عزل أبيه ، فقد أرتقبا من ان يحقق آمالهما التي هي آماله وان يسير في حكم البلاد وفق المبادئ القومية التي كثر ما تحدثوا بها في اجتماعاتهم . وكأنما أرادا توكيداً لما يجيش بنفسيهما من الفرح بالأمير والثقة في أعماله فزاراه بعد بضعة أسابيع من توليته في قصر الإسماعيلية وهناك الفياه الصديق القديم الذي لم يتغير قط والوطني الغيور الذي لم يبدل الحكم من افكاره حتى قبل كلا منهما حين غادراه قبلة هي دلالة الود والإخلاص وقد ابدى بها ايضا امتنانه لوقوفهما مع اصدقائهما من الحزب الوطني في صفة ودعوتهم إلى توليته في وقت اريد فيه توليه عمه الأمير محمد حليم على الأريكة الخديوية .
وطبيعي ان يخرج السيد جمال الدين الافغاني وعبدالسلام المويلحي من لدن الخديوي الجديد ( توفيق ) والبشر باد عليهما غير أن الثاني كان في الحقيقة أقل تفاؤلاً بالمستقبل . وذهب الاثنان الى منزل المويلحي فتناولا طعام العشاء ثم قصدا في المساء نفسه إلى المسرح حيث شهدا رواية " أبي الحسن المغفل " وبعدها توجها الى " قهوة متانيا" أمام حديقة الازبكية وكان بها مجلس جمال الدين المعتاد وفيها كان يتوسط حلقة من اصدقائه وتلاميذه والمعجبين به وفي الساعة الثانية بعد منتصف تلك الليلة غادرا القهوة وقصد كل منهما داره ولكن جمال الدين لم يكد يمشي بضع خطوات وحده حتى جاءه شخص لا يعرفه – وكان من الشرطة السرية – فطلب منه في أدب ان يذهب معه للقاء عثمان غالب باشا محافظ العاصمة وقال إنه ينتظره بجوار المحكمة المختلطة وقد دهش من هذه المباغتة ولكنه لم يتردد في الذهاب مع هذا الشخص ، وقد وجد عثمان غالب باشا ينتظره فعلا في عربة واقفة بجوار المحكمة المختلطة فما رآه حياه بلطف ورجاه أن يجلس إلى جانبه وفي الحال سارت العربية بهما الى المحطة دون ان يدلي المحافظ بأي ايضاح أو بيان . وأركب جمال الدين من ثم قطاراً خاصاً اقله إلى السويس ومن ثم أركب الباخرة " جدة " المسافرة الى أورويا وهكذا بدأ السيد جمال الدين منفاه . أما [imgl]https://lh4.googleusercontent.com/-QlYxgCdK52I/T69ek-KR2-I/AAAAAAAAAus/IRfw8LbRXCc/s263/617943958.jpg[/imgl]عبدالسلام المويلحي فأنه أمر بعد مغادرة داره لمدة عام وكذلك حرم على الشيخ محمد عبده أن يخرج من قريته .
ولما وصل السيد جمال الدين مرسيليا سافر منها الى باريس وقد كان كسب بذكائه الخارق وشخصيته الجذابة صداقة كثيرين من كبراء الفرنسيين ومن بينهم الفيلسوف رينان وعدد من النواب و رجال الصحافة واقبل جمال الدين على دراسة اللغة الفرنسية بهمة لا تعرف الكلل تمض بضعة أشهر حتى كان قد حذقها واستطاع ان يكتب بها دون خطأ ثم شرع يلقي بها محاضرات عامة عن شؤون الشرق ز ولم يلبث ان أنشأ في باريس جريدة " مرآة الشرق " التي كان يصدرها باللغة العربية ويدافع فيها عن مصر والعالم الإسلامي ويوضح بها آراءه وتعاليمه ، وكان يرسلها خفية الى مصر والى غيرها من أقطار الشرق . غير ان المسيو غامبنا بعث اليه ذات يوم يقول ان وجوده في فرنسا غير مرغوب فيه .. وكان بعض اصدقاء جمال الدين من النواب والمحافظين قد ارسلوا اليه يستدعونه إلى إنجلترا فسافر اليها ومكث في لندن اربع سنوات وكان يسكن بها في الدار رقم 10 بشارع جيمس غير انه مع طول مكثه لم يستطع ان يتعلم اللغة الانجليزية ولعل السبب في ذلك بغضه للسياسة الإنجليزية التي كانت ترمي الى استعمار الشرق . وقد اصدر هناك جريدة " العروة الوثقى " وواصل بها دفاعه عن الشرق والإسلام . واتصل بعدد من كبار الساسة والنواب الإنجليز ومنهم النائب الأيرلندي المستر جيمس اوكلي الذي قدم الى مصر بعد او أوصى به السيد جمال الدين صديقه عبدالسلام المويلحي – وكانت المكاتبة بينهما متصلة إلا ان المويلحي كان حريصاً في خطاباته لأنه كان تحت الرقابة الشديدة .
وقد يسأل القارئ عن موقف الخديوي توفيق من نفي السيد جمال الدين الافغاني ويعجب كيف تم هذا النفي عقب الودية بينهما رغم الصلة الوثيقة التي كانت تربطهما . وجواباً على ذلك نقول ان الخديوي توفيق لم يكن هو الآمر بنفي جمال الدين ولا الراغب في ذلك النفي بل الذي دبره ونفذه هو رياض باشا رئيس النظار في ذلك العهد وكان في مركز يشبه مركز الدكتاتور لتأييد الدول له فلم يكن أمام الخديوي الا ان يستسلم ويترك صديقه الفيلسوف يخرج من بلاده ولا يمكن ان يقال ان توفيق باشا هو الذي اراد نفي جمال [imgl]https://lh3.googleusercontent.com/-hjq1E_iDW2c/T69nj7q0rSI/AAAAAAAAAu4/vJ17OOGa2m0/s200/804470000.jpg[/imgl]الدين عقب المقابلة التي كانت بينهما في قصر الاسماعيلية فان القائل بذلك ينسب الى توفيق باشا رياء بالغاً ومكراً سيئاً لم يكن أهلا لهما .
وننشر هنا خطاباً بعث به السيد جمال الدين الافغاني من لندن الى عبدالسلام المويلحي بك وهو خطاب لم ينشر قبلاً وقد تفضل بنصه صاحب العزة يوسف المويلحي بك .
[mark=#FFFF99]المصدر :[/mark] [mark=#FFFF66]مجلة مصرية وصلتني قصاصة منها عن طريق الأخ العزيز أبوفالح وفقه الله لما يحبه ويرضاه[/mark]
عبد السلام المويلحي وجمال الدين الأفغاني . 
العرض العادي
