عرض مشاركة واحدة
قديم 06-28-2011, 02:43 PM رقم المشاركة : 1 (permalink)
القلعة
المدير العام
 
الصورة الرمزية القلعة





القلعة غير متواجد حاليآ بالمنتدى

افتراضي خليل المويلحي كان زميلا لنا

استراحة البيان
أم خليل وعام الكفّ
يكتبها اليوم: محمد الخولي
التاريخ: 04 يونيو 2001

خليل المويلحي كان زميلا لنا في العمل بمنظمة الأمم المتحدة.. كان والده قد أرسله صبيا لاكمال تعليمه الجامعي في أوروبا حيث حصل على الليسانس من ايطاليا ثم انتقل الى النمسا فأكمل دراساته العليا وتزوج من سيدة نصف ايطالية ونصف نمساوية وعمل في ادارات الترجمة الدولية في هيئة الطاقة الذرية ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو), وحين انتقل الى نيويورك للعمل معنا في الأمانة العامة للأمم المتحدة شاءت المصادفات أن نتجاور في السكن مطلّين في (ووترسايد) على نهر الإيست من ضاحية مانهاتن.. وكم كان طريفا أن نلتقي بزوجته التي لم تكن تعرف من العربية سوى بضع كلمات لا تتجاوز (شكرا) و(السلام عليكم) و(أهلا وسهلا).. ولكن كان يروق لنا باستمرار أن نناديها باللقب المحبب لها ولنا أيضا وهو: (أم خليل) وهو اسم ابنها البكري الذي يعمل الآن خبيرا للحواسيب الالكترونية على ما نذكر في العاصمة النمساوية.. وهكذا كان بيت جارنا، وزميلنا خليل المويلحي يتكلم لغات عدة ما بين الايطالية والالمانية والفرنسية وشيء من الاسبانية ناهيك طبعا عن الانجليزية.. ومع ذلك كانت لنا مع خليل الأب جلساتنا الممتعة في العربية لغة، وأدبا وفكرا وتراثا.. لماذا؟.. لأن صاحبنا منحدر من أسرة عريقة في هذا المجال. نبغ من بينها اثنان من أعلام كتاب وأدباء جيل المبدعين منذ أواخر القرن التاسع عشر ومطالع القرن العشرين. ترجع أصول هذه الأسرة الى مرفأ مويلح على البحر الأحمر في أرض الحجاز وقد هاجر أجدادهم الى مصر واشتهر منهم السيد عبدالخالق الذي كان من كبار تجار الحرير وقد ولد له ابراهيم الذي عزف عن ممارسة التجارة إذ أدركته كما يقولون حرفة الأدب ولكنها أدركته لحسن حظه وقد تربى في رغد من العيش في كنف أسرته من ناحية، فضلا عما ترقى فيه من المناصب في خدمة ولي النعم في مصر أفندينا الخديوي اسماعيل من ناحية أخرى. وكان ابراهيم المويلحي من مريدي السيد جمال الدين الأفغاني المصلح الشرقي الاسلامي الشهير وقد أجاد التركية والفرنسية وقرأ من خلالهما آداب العالم مما زوده بثقافة عصرية واسعة.. وكان طبيعيا في حالة شخصية من طراز ابراهيم بك المويلحي وهو الرافل في حلل السعادة ولين المعيشة أن تكون حياته أقرب الى سلسلة من القفزات الأقرب الى المغامرات.. سواء حين يضارب في أسواق التجارة أو حين ينضم الى الخديوي اسماعيل، إذ كان في منفاه بإيطاليا أو حين يعود الى مصر فيغامر بانشاء أكثر من مشروع صحفي فيؤسس مطبعة خاصة (وكان ذلك مشروعا غاية في الطموح في آخر عقود القرن التاسع عشر) وينشئ صحيفة بعنوان (نزهة الأفكار) بالاشتراك مع صديقه الكاتب محمد عثمان جلال وكان من أبرز مثقفي الفترة وهو الذي ترجم خرافات الشاعر الفرنسي الشهير لافونتين في لغة عربية عذبة سائغة ونشرها تحت عنوان (العيون اليواقظ) ولما أغلقت سلطات الاحتلال الصحيفة انفرد ابراهيم بك المويلحي باصدار صحيفته التي ذاعت شهرتها في مصر وبلاد العروبة والاسلام وكان اسمها (مصباح الشرق) التي كانت هي وصحيفة (المؤيد) مثابة القارئين وزينة الفن الصحفي العربي في مستهل القرن العشرين. وبمناسبة صحيفة (المؤيد) فقد كان يصدرها الشيخ علي يوسف وهو صعيدي يعد من رواد الصحافة في الوطن العربي إذ كانت صحيفته (المؤيد) هي لسان حال الناس في العالم الاسلامي. ولما كانت الحياة وقتها بحراً مائج الاضطراب وخاصة في مضمار السياسة والعمل العام.. فقد كان طبيعيا أن ينقسم مجتمع المثقفين الى معسكرات.. ما بين مؤيد للخديوي الحاكم أو ممالئ للاحتلال الانجليزي أو منحاز الى قضية الشعب ومصالحه وطموحه الوطنية. في غمرات هذه الصراعات كان لابد وأن تذيع أحداث فيها من الطرافة لدرجة أن تحكيها الركبان من جيل الى جيل. والذي حدث أن محمد بك وهو جد صديقنا خليل المويلحي كان بدوره كاتبا مرموقا يعاون والده في تحرير جريدة (مصباح الشرق) ويكتب سلسلة مقالات بديعة ما لبث أن نشرها بين دفتي كتاب بعنوان (حديث عيسى بن هشام) وهو لون محدث من ألوان المقامات القصصية والوصفية، افاد فيها المؤلف محمد المويلحي من تراث بديع الزمان الهمزاني والحريري وأيضا من اطلاعه على فن القصة والرواية الذي سبقت اليه أوروبا منذ القرن السابع عشر ثم بلغ أوج النضوج في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. ذات يوم كان محمد المويلحي جالسا في مشرب قاهري كان شهيرا في أول القرن العشرين اسمه (دركوس) وفوجئ الجالسون بشاب من أبناء الباشاوات المنتمين الى العائلات المالكة في مصر أو المقربين منها اسمه محمد بك نشأت قال الراوي: كان نشأت فتى متهورا مغرورا لا يأبه بأحد ولا يحترم أي إنسان.. بلغ به غروره أن ركب عربته المزودة بجواد مطهم على طريقة العصر وكان اسمها (الفيتون).. وبدلا من أن يضع العربة والجواد أمام المحل.. عمد لفرط رعونته الى دخول باب المشرب الأنيق بالعربة شخصيا فكان أن تحطمت الواجهات الزجاجية وتكسرت الطاولات وفوجئ الجالسون وكان من صفوة المجتمع القاهري بحصان يدخل في مجلسهم وعربة تقتحم عليهم أرجاء المكان. ساعتها غلى الدم في عروق محمد المويلحي الكاتب الصحفي الشهير فكان أن وقف هاتفا لائما يقول ما معناه: عيب كده يا باشا.. هذا أمر لا يليق بأولاد الكرام.. فما كان من محمد نشأت إلا أن نزل في هدوء بارد.. وتقدم من المويلحي ثم رفع يده وناوله صفعة على خده رنت أصداؤها في أرجاء المحل ومن ثم في أحياء القاهرة وصالوناتها ومجالسها. هنالك سارعت الجريدة المنافسة وهي (المؤيد) الى تصفية حساباتها مع غريمتها (مصباح الشرق) فكتب علي يوسف مقالا شهيرا قال فيه ما معناه ان العرب كانوا يؤرخون لحادث أبرهة الحبشي الجلل فيقولون (عام الفيل) أما نحن فقد أصبح من حقنا بعد حادث الصفعة الشهيرة في دركوس أن نؤرخ فنقول (عام الكف). يقول الأستاذ صلاح عيسى في كتابه الطلى بعنوان (حكايات من مصر): إن صحيفة المؤيد أفردت بابا يوميا تحت عنوان (عام الكف) كان يتضمن هجاء منتظما في المويلحي يتبادل كتابته كثيرون من أعدائه ومنهم أمير الشعراء أحمد شوقي الذي كتب قصيدة مطلعها: خدعوه بقولهم فيلسوف حتى هوت على قفاه الكفوف ورغم أن هذا المطلع فيه أنفاس شوقي وهو الذي أنشأ قصيدته الشهيرة على هذا النحو وقال فيها: خدعوها بقولهم حسناء والغواني يغرّهن الثناء إلا أننا لم نعثر على قصيدة (الكفوف) في ديوان الشوقيات بأجزائه الأربعة وإنما عثرنا على قصيدة أنشدها شوقي في حفل تأبين محمد المويلحي عام 1930 مطلعها: كاتب محسن البيان صُناعُه استخف العتولَ حينا يراعُه ابن مصر وإنما كل أرض تنطق الضاد مهده ورباعه علم في البيان وابن لواء أخذ الشرق حقبة إبداعه ربما عمد شوقي الى حذف هجائه للمويلحي من الديوان إذ أدرك أنها كانت مجرد نزوة من نزوات القلم أملتها خصومة السياسة واندفاع الشباب. نسينا أن نقول لك ان صديقنا المويلحي يعيش الآن في مونتريال بكندا ويعمل في منظمة الطيران المدني الدولي.. وإن كان الأهم أنه منذ سنتين رفع الهاتف يوما مهنئا لنا بالعيد ليبلغنا أن زوجته بمحض ارادتها واقتناعها قد تحولت بفضل الله تعالى الى الاسلام، مبروك من القلب لجارتنا العزيزة سابقا.. مدام أم خليل.
اخي السيد خليل المويلحي امل تعليقكم على تلك
الذكريات ولك وافر تحياتي وتقديري
 





  رد مع اقتباس
 

SEO by vBSEO 3.3.0