[align=center][/align]هم والصحراء
[align=center]عاش أجدادنا وآباؤنا فيها , و مانزعجوا يوما من حياتها , بل كابدوها بكل مثابرة وجهد وحب.
وها هي قبورهم البسيطة الملتصقة أحيانا بصخورها أو قريبا من موارد مائها تشهد على أيام خلت , وأجيال فنت , مؤكدة حقيقة ذهل عنها الغافلون , إنها حقيقة الفناء .
وكأني بهم يمشون فيها ويتأملون تلك الجبال المهيبة الخاشعة , والسهول الوافرة والنقوش الغابرة يستشفون أحوال السابقين من وراء الحجب , مستلهمين زمان ألاحقين.
يرمقون نجوم ليلها البهيم , ويعجبون من صنعها العظيم , و يلبسون أبيات شعرهم من حلل قمرها المنير.
ويستيقظون مع تبدد سكونها الرهيب بطلوع شمس يوم جديد , زاهية نفوسهم
آملين في ازدهار الحياة وحنو الأيام عليهم وعلى أبنائهم .
يرضون بالقليل , ويجدون في توفير ماضطرته الحياة .
ولأن وقعت عينك يوما على منظر رائع لا أظنك تُقر بروعته عند ما ترى ما يفوقه ويتجاوزه بمراحل عديدة,عندما تنظر بقلبك وذهنك إلى هيئتهم وهم واقفون بين يدي خالق صحرائهم وجبالهم وشمسهم وقمرهم مطأطئين رؤسهم إجلالا ومهابة ومحبة بفطرة صادقه , لم تعبث بها العقول والآراء والأقلام التي أفسدت زماننا فأردت أفئدتنا قتيلة.
وقد اصطفوا راجين ربهم منقطعين إليه عمن سواه , تعلوهم السكينة , وتحفهم الملائكة والكون من حولهم بترابه وجباله وسمائه وأشجاره وطيوره وأنعامه ووحوشه يبارك وفائهم بما حملهم الله من الأمانة وصدق الديانة .
ثم ما لبثوا إلا قليل ففارقوا أياما عاشوا فيها راضين وعلى ربهم مقبلين , ولأهلهم وأحبابهم مودعين , أياما لطالما فرحوا فيها برؤية بعضهم بعضا , وتعاونهم على الحياة .
أياما بكوا فيها على جار لهم فارقهم إلى جهة من الجهات , أو حبيب لهم تركوه في قبره , في ديار أظعنوا إليها ولما حان منهم الرحيل وقفوا, ينظرون إلى قبره بكل حزن وألم على الفراق يمشون خطوات ثم يقف المحب يرمق قبر حبيبه وكأن القبر يناديه ودموع الأسى تسيل على وجنتيه تختلج المشاعر في صدره فتعقد لسانه عن الكلام ويمضي .
أياما سطرها التاريخ بأنين وشوق وأسف على الفراق وما أدراك ما ألم الفراق ؟.
فما بقيت إلا آثار ديارهم وحدود مساكنهم تحتضن الصحراء ما بقي منها , كما احتضنتهم من قبل.
وما نحن إلا أمة من بعدهم وسنمضي كما مضوا
فرحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته.آمين.
[/align]