عرض مشاركة واحدة
قديم 05-05-2010, 05:15 AM رقم المشاركة : 2 (permalink)
الشريف النموي
عضو جديد





الشريف النموي غير متواجد حاليآ بالمنتدى

افتراضي

قال الشاطبي في الموافقات ص4/170: «إن زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة، ولا الأخذ بها تقليداً له.. كما أنه لا ينبغي أن ينسب صاحبها إلى التقصير، ولا يشنع عليه بها، ولا ينتقص من أجلها، أو يعتقد فيه الإقدام على المخالفة بحتاً، فإن هذا كله خلاف ما تقتضي رتبته في الدين».



الوقفة الثانية

ذكر الكاتب أن دافع كتابته لهذا المقال هو ما طرأ بسبب كلام ابن فندق من التشكيك في نسب أشراف أهل الحجاز من أهل الأهواء على نحو ما ذكر، الذي سبّب استياء بعض من لا علاقة له بنسب الأشراف، ممن ليس منهم، ولا يعتبر قوله ورأيه فيها. وهو بهذه المقدمة يثير قضية حساسة، لا وجود لها إلا في مخيلة الكاتب وصاحبه الذي ساءه بما لم يُعْلمْ على مر التاريخ إلى زماننا. حيث إنه لم يُعرف أحدٌ من العلماء أو المؤرخين أو النسابين شكك في أنساب أشراف الحجاز، وخاصة آل قتادة، الذين عناهم بمقاله. فإن أنساب آل قتادة هي من أصرح الأنساب الهاشمية وأثبتها، وأشهرها وأقواها، وقد احتفل العلماء بذكرها أنساباً وترجمةً وأخباراً، فهذه: كتب الأنساب، والتـاريخ، والتراجم، والطبقات، والأعـلام، وشروح الحديث طافـحةٌ بذكر أخبارهم، والإشادة بأنسابهم، والحفاوة بأعقابهم، والتدقيق في ذكر فروعهم بعد أصولهم، بمنهج فريدٍ متميز، واستقصاءٍ لا يُعرف أكمل منه، واستقراءٍ لم يحصل أتمّ منه، مما لم يقع لكثير غيرهم ممن تثبت أنسابهم لآل البيت. فضبط أنساب آل البيت أمر مشهور ومعلوم عند العلماء.

قال العلامة ابن حجر الهيتمي شيخ الشافعية المعتمد قوله في مذهبهم في الصواعق المحرقة 2/587 في نحو هذا المعنى: «ولم تزل أنساب أهل البيت النبوي مضبوطة على تطاول الأيام، وأحسابهم التي يتميزون محفوظة عن أن يدعيها الجهال واللئام، وقد ألهم الله من يقوم بتصحيحها في كل زمان، ومن يعتني بحفظ تفاصيلها في كل أوان، خصوصاً أنساب الطالبيين والمطلبيين. ومن ثَمّ وقع الاصطلاح على اختصاص الذرية الطاهرة ببني فاطمة من بين ذوي الشرف كالعباسيين والجعافرة بلبس الأخضر إظهاراً لمزيد شرفهم».

وقال العلامة النسابة ابن عنبة في مقدمة «عمدة الطالب» ص36: «ولم تزل أنسابهم ـ أي آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ـ التي إليها يعتزون على تطاول الأيام مضبوطة، وأحسابهم التي بها يتميزون على تداول الأقوام عن الخلل محوطة».

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في «فتح الباري» في شرحه لحديث «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان» ما نصه: «قال ابن هبيرة: يحتمل أن يكون على ظاهره، وأنهم لا يبقى منهم في آخر الزمان إلا اثنان: أمير، ومؤمر عليه، والناس لهم تبع. قلت: في رواية مسلم عن شيخ البخاري في هذا الحديث «ما بقي من الناس اثنان» وفي رواية الإسماعيلي «ما بقي في الناس اثنان وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى» وليس المراد حقيقة العدد، وإنما المراد به انتفاء أن يكون الأمر في غير قريش. ويحتمل أن يحمل المطلق على المقيد في الحديث الأول، ويكون التقدير: لا يزال هذا الأمر، أي: لا يسمى بالخليفة إلا من يكون من قريش، إلا أن يسمى به أحد من غيرهم غلبة وقهراً، وإما أن يكون المراد باللفظ الأمر، وإن كان لفظه لفظ الخبر. ويحتمل أن يكون بقاء الأمر في قريش في بعض الأقطار دون بعض، فإن بالبلاد اليمنية وهي النجود منها طائفة من ذرية الحسن بن علي، لم تزل مملكة تلك البلاد معهم من أواخر المائة الثالثة، وأما من بالحجاز من ذرية الحسن بن علي وهم أمراء مكة وأمراء ينبع، ومن ذرية الحسين بن علي وهم أمراء المدينة: فإنهم وإن كانوا من صميم قريش، لكنهم تحت حكم غيرهم من ملوك الديار المصرية، فبقي الأمر في قريش بقطر من الأقطار في الجملة».

ولهذا نجد جهوداً مشكورة لكثير من العلماء الأجلاء الذين حرروا في هذا الفن وصنفوا كتباً خاصة في أنساب آل البيت سواء كانوا منهم أومن غيرهم من أهل العلم والفضل يعرف ذلك من سبرها من أهل البحث والتحقيق في هذا الفن.






الوقفة الثالثة

وفيها ذِكْرُ بعض الأوهام الفاحشة والمغالطات التي وقع فيها الكاتب، وحاول أن ينزلها على كلام ابن فندق، بما ليس من صنيعه ولا من مراده، ويستنطقه ما لم يقله، ويُبعد كلامَه بما لم يذهب إليه، ويتعسف في استشكال ما ليس بمشكل، ويختلق احتمالات لا تَرِدُ عليه.

ولدحض هذه الأوهام نقول:

الوهم الأول:

زعمه ووهمه أن قول ابن فندق: «عبد الله بن محمد بن موسى الثاني لا عقب له بالاتفاق» المراد به عبد الله الأكبر بن محمد الأكبر بن موسى الثاني جد الأشراف آل قتادة. حيث قال ما نصه: «قال ابن فندق في كتابه «لباب الأنساب» عن جد الأشراف القتاديين عبد الله بن محمد بن موسى الثاني: لا عقب له بالاتفاق.

قلت: شذ ابن فندق وخالف بقوله لا عقب له بالاتفاق المحققين من علماء النسب ومؤرخي مكة القائلين بأن لعبد الله ابن محمد بن موسى الثاني عقباً لم ينقرض.

قال النَّسَّابة شيخ الشرف العبيدلي. ت435هـ: والعقب من ولد عبد الله بن محمد الأكبر بن موسى بن عبد الله الثاني بن موسى الجون من ثلاثة نفر: علي بن عبد الله وله أولاد، ومحمد ابن عبد الله يلقب ثعلباً، قتل وله أولاد، وأحمد بن عبد الله وله أولاد . وقد شهد ببقاء عقب عبد الله بن محمد بن موسى الثاني، النَّسَّابة فخر الدين محمد الرازي ت606هـ، والنَّسَّابة إسماعيل الأزورقاني ت بعد 614هـ، والنَّسَّابة أحمد بن محمد الحسيني العبيدلي ت بالقرن 7هـ، والنَّسَّابة ابن الطقطقي محمد ت709هـ، والنَّسَّابة الـجَبَل ابن عنبة أحمد (ت828هـ) وقال: علي بن عبد الله، في ولده الإمرة بالحجاز من عهد المستنجد بالله إلى الآن، والنَّسَّابة أبو علامة المؤيدي ت1044هـ. وبه قال المحققون من مؤرخي مكة، من ذلك: الحافظ النَّـسَّابة المحقق ـ البصير بأنساب أشراف الحجاز ـ تقي الدين الفاسي ت83هـ، والمؤرخ عبد العزيز ابن عمر بن فهد ت922هـ، والمؤرخ ابن ظهيرة محمد جار الله القرشي ت986 هـ، وغيرهم من مؤرخي مكة». انتهى كلام هذا الكاتب عفا الله عنه.

قلنا: ما ذكره الكاتب قُصورٌ في فهم مرادات العلماء، وتقصير بالغٌ في إدراك مقاصدهم ودلالات ألفاظهم الواضحة، وتحميلٌ لكلامهم ما لا يحتمل من المعاني البعيدة كل البعد عن كلامهم، وتنزيلٌ له في غير محله، بل في أبعد محلٍّ عن محلّه؛ ومثل هذه الأخطاء الواضحة لا تقع من كاتب إلا مع عدم قدرته على التحقيق في الأمور الواضحة، والجمع البدهي بين كلام العلماء فيها، وإما لأمور أخرى، الله أعلم بها. وكلامه عن نسب الإمام الشافعي، بما ألمحنا إليه سابقاً، يؤكد ما ذكرناه آنفاً.

ثم أقبل هذا الكاتب (بتعسفه في فهمه وضعف تصرفه في كلام العلماء) على كلام ابن فندق الذي يذكر فيه: أن عبد الله ابن محمد بن موسى الثاني لا عقب له بالاتفاق، فجعل أن المراد به هو عبد الله الأكبر بن محمد الأكبر بن موسى الثاني جد آل قتادة!! وهذا فهم مجانبٌ للصواب من كل وجه، مجانفٌ للحق من كل جهة!! وفيه مجازفة وخلط كبير. ولو أن الكاتب كلف نفسه بشيء من التأمل اليسير، وحسن الظن الذي يستحقه كل عاقل، فضلاً عن العالم، لعرف أن فهمه الذي توصّل إليه خاطئٌ كل الخطأ، وأنه أبعد ما يكون عن مراد العلامة ابن فندق. ولو أنه تأمل هذا التأمل اليسير لاستغنى عن تطويله للكلام، ولأراح واستراح من الإشكال الذي وقع في وهمه، ومن استطراده بنقل كلام جماعة من العلماء النسابة بما لا يعارضه كلام ابن فندق أصلاً!!

ذلك أن عبد الله بن محمد الذي ذكره ابن فندق في ذلك النقل هو شخص غير عبد الله الأكبر بن محمد بن موسى الثاني جدّ آل قتادة الأشراف، وهذا أمر لا يصح أن يخفى على من تعنّى النظرَ في كلام العلماء من النسابين والمؤرخين، وتصدّى للكتابة في علم الأنساب والتراجم.

فعبد الله بن محمد بن موسى الثاني الذي ذكر ابن فندق أنه لا عقب له بالاتفاق، توضيحُ شخصِه وبيانُ مرادِ ابن فندق منه يتم بما يلي:

1- أن ابن فندق في قوله: «عبد الله بن محمد بن موسى الثاني لا عقب له بالاتفاق» إنما أراد عبد الله بن محمد الأصغر ابن موسى الثاني الذي انتهى عقبه. فهذا هو الذي يوافق أصول نسب الطالبية من أعقاب بني الحسن بن علي رضي الله عنهما. حيث ذكر جماعة من العلماء: أن محمد الأصغر كان له ولد اسمه عبد الله، ويلقب بأبي الزوائد، نص عليه الفخر الرازي في الشجرة المباركة: ص11، وعز الدين المروزي الأزورقاني في الفخري ص:91، وشيخ الشرف العبيدلي في تهذيب الأنساب ص: 52، وفي المشجر الكشاف لابن عميد الدين في نسخة أمريكا الخطية، وذكر العلماء أيضاً أن محمد الأصغر والد عبد الله الملقب بأبي الزوائد قد انتهى وانقرض عقبه، قال ابن عنبة في «عمدة الطالب»، ص149: عن أبناء موسى الثاني بن عبد الله: «وأما موسى الثاني…. فولد ثمانية عشر ولداً ذكراً: وهم عيسى، وإبراهيم، والحسين الأكبر، وسليمان، وإسحاق، وعبد الله، وأحمد، وحمزة، وإدريس، ويوسف، ومحمد الأصغر، ويحيى، وصالح، والحسين الأصغر، والحسن، وعلي، وداود، ومحمد الأكبر. أما عيسى فلم يعقب، وأما الحسين الأكبر فلم يذكر له ولد، وأما إبراهيم وسليمان وإسحاق وعبد الله وأحمد وحمزة ومحمد الأصغر الـملقب بالعربـي والحسين الأصغر فانقرضوا، وأما يوسف بن موسى الثاني… الظاهر أنه منقرض. وبقي عقب موسى الثاني في سبعة رجال: إدريس ويحيى وصالح والحسن وعلي وداود ومحمد الأكبر». انتهى.

وبمثله جاء عند ذكر اسم محمد الأصغر في المشجر الكشاف لابن عميد الدين الحسيني نسخة أمريكا حيث جاء فيها: «محمد الأصغر الأعرابي انقرض». وهذا نصٌ صريح في انقراض عقب محمد الأصغر، وبالتالي أنه لا عقب لولده عبد الله الذي انتهى عقبه بانقراض عقب أبيه.

بل إن كلام شيخ الشرف العبيدلي في تهذيب الأنساب ص52، يفهم منه أن عبد الله بن محمد الأصغر لا يعرف له عقب، وذلك أنه عند ذكره وذكر أخيه أحمد قال عن أحمد: وفيه عدد، ولم يذكر ولداً لعبد الله. فدل على ما ذكرنا وهو صنيع كل من ذكر عبد الله بن محمد الأصغر حيث لم يذكروا له عقباً.

فبجمعٍ سريع وتأمل يسير لهذه النصوص ولكلام العلماء يتضح غاية الوضوح أن العقب المنقرض هو عقب محمد الأصغر ابن موسى الثاني، وأنه انقرض بعد أن أعقب ولداً هو عبد الله ابن محمد الأصغر، ولا شك أن هذا هو مراد العلامة ابن فندق، لأنه هو الذي تحقَّق فيه الانقراض، وهو الذي تحقق الاتفاق على انقراض عقبه «كما يأتي التأكيد عليه في رد الوهم الثاني».

2- أنه لو قيل جدلاً وعلى فرض أن عبد الله بن محمد ابن موسى الثاني الذي عناه ابن فندق بأنه لا عقب له بالاتفاق أنه ولد محمد الأكبر بن موسى الثاني على حد زعم الكاتب، فيقال له: إن محمد الأكبر بن موسى الثاني كان له ولدان باسم عبد الله: أحدهما يعرف بالأكبر، والآخر بالأصغر، ولُقّبا بهذين اللقبين للتفريق والتمييز بينهما. وهذه عادة جرى عليها علماء النسب والمؤرخون، كما هو صنيع مصعب الزبيري في كتابه نسب قريش، وصنيع العمري في المجدي، وابن عنبة في العمدة الذي تقدم النقل عنه في ولد موسى الثاني، حيث ذكر أن لموسى الثاني ولدين باسم الحسين، فرق وميز بينهما بلقب الأكبر لأحدهما والأصغر للآخر. وكذلك الأمر في: محمد الأكبر بن موسى، ومحمد الأصغر ابن موسى، وهذا كما أسلفت عادة متبعة([4]).

بل إن مجرد تلقيب العلماء لعبد الله بالأكبر فيه إشارة قويةٌ إلى وجود أخٍ آخر له اسمه عبد الله وملقَّبٍ بالأصغر، لما اعتدناه من مثل هذه الألقاب في الأسماء والأنساب «كما سبق».

وقد نبه وأشار إلى هذا النسابة عز الدين المروزي الأزورقاني في الفخري ص: 88، عند ذكر عقب محمد الأكبر بن موسى الثاني حيث قال: وعبد الله الأصغر، وقيل: هو الأكبر بطن.

وحكاية الأزورقاني للخلاف في عبد الله بن محمد المعقب من ولد محمد الأكبر: هل هو الأكبر أم الأصغر سناً إشارة إلى أن هناك ولدين لمحمد الأكبر باسم عبد الله: أحدهما يعرف بالأكبر، والآخر بالأصغر، وأحدهما معقب والآخر ليس له عقب. وكلمة العلماء مجتمعة بلا خلاف في أن آل قتادة هم من ذرية عبد الله بن محمد الأكبر بن موسى المعقب، وهذا محلّ إجماع لا يخفى على العدو قبل الصديق([5]). ومحل الخلاف في عبد الله هذا ينحصر في لقبه فقط: هل هو الأكبر أم الأصغر سناً، وهذا خلافٌ سهلٌ لا علاقة له بعمود النسب؛ لأن المهم هو أن نعرف عقب عبد الله الذي أعقب ومن هم عقبه، وهذا ما اتفق على نقله النسابون، ولم يخالف فيه ابن فندق ولا غيره.

وكون أن المعقب هو الأكبر نص عليه ابن المهنا العبيدلي في التذكرة في الأنساب المطهرة ص: 24، وابن الطقطقي في الأصيلي ص: 100، وابن عميد الدين في المشجر الكشاف في نسخة أمريكا ونسخة الزبيدي، وهذا ما عليه أكثر علماء النسب ومؤرخو مكة والأشراف بالحجاز المعتنون بهذا، فإنهم ما زالوا يتناقلونه من القديم. في حين أن الرازي نصّ في الشجرة المباركة على أن المعقب هو الأصغر، وتنصيص الرازي هذا إنما حصل لأنه اعتمد على القول الأول مما يذكره الأزورقاني، وذلك طلباً للاختصار، لا عن بحث واجتهاد له في الترجيح «على ما يغلب على الظن»، حيث إن الرازي كان قد بنى كتابه على كلام الأزورقاني المروزي، وتتلمذ عليه في علم النسب، كما هو معلوم.

والخلاصة: أن عبد الله بن محمد الأكبر المعقب جد آل قتادة اختلف فيه فقط هل هو الأكبر سناً أم الأصغر سناً، ولم يختلف في كونه معقباً .

3- إن في كلام ابن فندق كما في النسخة المطبوعة من «اللباب» حسمٌ لهذه الشبهة المتهافتة، والتي لولا أن أثارها الكاتب لما ظننا أنها ستشتبه على أحد!! ذلك أن ابن فندق بعد أن قال عبارته التي ردّ الكاتب عليها والتي جعل ابن فندق فيها ناقلا للاتفاق فيما الاتفاق على نقيضه، قال عبارة أخرى وقرّر تقريراً آخر يوضح لمن له أدنى فهم في علم النسب أن ابن فندق لم يكن يقصد بعبد الله بن محمد بن موسى الثاني الذي لم يعقب «بالاتفاق» جدَّ آل قتادة، بل كان يقصد شخصاً آخر تماماً. حيث إن أبناء عمومة آل قتادة الأقربين في جدهم عبد الله بن محمد الأكبر، وهم الثعالبة، قد جاء ذكرهم في النسخة المطبوعة من «لباب الأنساب والألقاب والأعقاب» ص(1/240) تحت لقب الثعلبة في التي تليها في حرف الثاء، فقال العلامة ابن فندق في هذا الموطن ما نصه: «الثعلبة ـ محمد بن عبد الله بن محمد بن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام». انتهى.

وهذا نصٌّ صريحٌ (كما لا يخفى على ذي عينين) في محمد ثعلب بن عبد الله الأكبر أخو علي بن عبد الله الأكبر جد آل قتادة، وهو نصٌّ يقطع بأن العلامة ابن فندق كان يعلم ويقرّر بأن عبد الله الأكبر جد آل قتادة قد عقّب ولم ينقرض عقبه، وهو نصٌّ يزيل شبهة مخالفته للإجماع التي ادعاها الكاتب، ثم راح يصول ويجول في أرض معركةٍ ليس له فيها مخالفٌ؛ إلا ما توهّمه من خلافٍ لا وجود له. وهذا النصُّ أخيراً يدل على أن مراد ابن فندق بعبد الله الذي لم يعقب «اتفاقاً» شخصٌ آخر غير عبد الله الأكبر جد آل قتادة، سواء كان مراده بهذا الذي لم يعقب: عبد الله ابن محمد الأصغر بن موسى الثاني، أو عبد الله الأصغر بن محمد الأكبر بن موسى الثاني؛ إذ إن هذين كليهما لم يعقبا.

أما محمد ثعلب بن عبد الله الأكبر بن محمد الأكبر بن موسى الثاني الذي ذكره ابن فندق في موضع آخر كما تقدم فهو شخص معروف عقبه عند علماء النسب.

وقد قال شيخ الشرف العبيدلي في «تهذيب الأنساب» ص49: «والعقب من ولد عبد الله بن محمد الأكبر بن موسى ابن عبد الله الثاني بن موسى الجون في ثلاثة نفر: علي بن عبد الله وله أولاد ومحمد بن عبد الله يلقب ثعلب وله أولاد، وأحمد بن عبد الله وله أولاد».

وقال ابن عنبة في «عمدة الطالب» ص163: «وأما عبد الله الأكبر بن محمد الثائر ويكنى أبا محمد فأعقب من ثلاثة رجال: أبي جعفر محمد المعروف بثعلب وأحمد وعلي».

وذكر ابن الطقطقي في «الأصيلي» ص100، وابن المهنا العبيدلي في «التذكرة» ص: 24 عقب عبد الله الأكبر في أحمد الأمير ومحمد ثعلب وعلي.

بل إن تنصيص علماء النسب على ذرية محمد ثعلب المعروفين بالثعالبة واستمرارها في زمنهم، مع عدم تنصيصهم بانقراض هذا العقب في ذلك الزمن: كل ذلك مما يزيد اليقين بأن عبد الله الذي ذكر ابن فندق أنه قد اتُّفق على انقراض عقبه شخصٌ آخر غير جد آل قتـادة الذي اتُّـفق على نسبه وتواتـر اتصالُه!!

4- وهنا وقفةٌ مهمة جداً، وحدها كانت كافيةً للأخ الكاتب (عفا الله عنه) ليفهم مراد ابن فندق، ولو تنبّهَ الأخ الكاتب لهذه الوقفة لما احتاج إلى أن ندلّه على ضرورة تقليب صفحات كتاب ابن فندق (إن عسر ذلك عليه)، ولا إلى جمع أقواله من مواطنه القريبة والبعيدة، فضلاً عن أن يحتاج معها إلى النظر في بقية كتب الأنساب! ذلك أن ابن فندق في عبارته التي استشكلها الكاتب قد نقل الاتفاق على أن عبد الله الذي ذكره لم يعقب، فلم يكتف ابن فندق بذكر عدم إعقاب عبد الله هذا، حتى أضاف إلى كونه لم يعقب: أن نَقَلَ الاتفاقَ على عدم إعقابه. وإن الأخ الكاتب ليعلم هو نفسه (قبل غيره) أن أحداً من النسابين لم يقل بأن عبد الله جد آل قتادة لم يعقب، والكاتب نفسه جاء بعدد من النصوص التي تدل على إجماع النسابين على أن عبد الله جد آل قتادة معقبٌ ذريةً كبيرةً مباركةً مستفيضةَ النسبِ. فنقلُ ابنِ فندق للاتفاق يقطع بأنه لا يريد عبد الله جد آل قتادة؛ لأن جدَّهم إنما وقع الاتفاق على اتصال نسبه، لا على انقراض نسبه، كما فهمه الكاتب من كلام ابن فندق!!

ولو أن ابن فندق كان قد قرّرَ انقراضَ عقب عبد الله الأكبر دون أن ينقل الاتفاق عليه، لوجدنا للأخ الكاتب عذرا في تعسّر فهم العبارة عليه؛ لأن فهمها حينئذٍ كان سيحتاج منه إلى تقليب صفحات كتابه، وسيحتاج إلى مراعاة قرائن الأحوال المستفادة من كون هذا العلامة بعيداً عن نحو هذا الخطأ القبيح الكبير الواضح. لكن بعد أن نقل ابن فندق الاتفاقَ على ما الاتفاقُ على نقيض فهم الكاتب من كلامه، ضاق عذر هذا الكاتب (عفا الله عنه)، واتسع مجال اللوم عليه، وتبيّنت فداحةُ خطئه، واتضح بُعدُ فهمه عن مدلول كلام ابن فندق. وهذا ما استوجب منا هذا الرد الذي يوضح الحقائق، والذي حرصنا فيه على عدم وصف خطأ الكاتب إلا بما يستحقه من البعد الشديد وسوء الفهم.

الوهم الثاني:

قال الكاتب عفا الله عنه: «قال ابن فندق في «لباب الأنساب» عن جد الأشراف الهواشم الأمراء والقتاديين: [محمد ابن موسى بن عبد الله بن موسى الجون، كان له عقب بالتمام، ثم انقرضوا]. قلت ـ أي الكاتب ـ: تسرع ابن فندق في النفي، وهذه آفة عظيمة، بل ناقض نفسه، ودليل ذلك أنه ذكر لمحمد ابن موسى عقباً، وهو أمير مكة في زمانه قاسم بن هاشم بن فليتة ت565هـ، وناقض ابن فندق نفسه في موطن آخر، فقال: أبو عبد الله محمد الأصغر بن موسى الثاني بن عبد الله السويقي، له عدد وجماعة بالحجاز والبادية من الأمراء والأجلاء. وناقض نفسه أيضاً في موطن آخر، فقال: والعقب من الأمير الحسين بن محمد الأكبر بن موسى بن عبد الله رجلان: أبو جعفر محمد الأمير، وأبو هاشم محمد، ثم ذكر أعقابهم.

بل إن ابن فندق بنفيه عقب محمد الأكبر بن موسى الثاني ابن موسى الجون، قد خالف إجماع علماء النسب القائلين بأن له أعقاب؛ من ذلك: النَّسَّابة شيخ الشرف العبيدلي ت435هـ، والنَّسَّابة ابن حزم علي ت456هـ، والنَّسَّابة علي بن محمد العُمري ت قرن 5هـ، والنَّسَّابة الجواني ت588هـ، والنَّسَّابة فخر الدين محمد الرازي ت606هـ، والنَّسَّابة إسماعيل الأزورقاني ت بعد 614هـ، والنَّسَّابة أحمد بن محمد الحسيني العبيدلي ت قرن 7هـ، والنَّسَّابة ابن الطقطقي محمد ت709هـ، والنَّسَّابة الـجَبَل ابن عنبة أحمد ت828هـ.

بل خالف ابن فندق بنفي أعقاب محمد بن موسى الثاني بن موسى الجون، إجماع مؤرخي مكة المحققين، وعلى رأسهم الحافظ النَّسَّابة المحقق تقي الدين الفاسي ت832هـ، والمؤرخ عبد العزيز ابن عمر بن فهد ت922هـ، والمؤرخ ابن ظهيرة محمد جار الله القرشي ت986هـ، وغيرهم من مؤرخي مكة» انتهى.

قلنا: ما تقدم من كلام الكاتب وهم وخلط منه، بحمله كلام العلامة ابن فندق بما ليس بمرادٍ في كلامه ولا من مقصوده، بل فيه تكلفٌ لمحاولة إظهار شبهة أن عقب محمد بن موسى الثاني المعروف بالأكبر وهو المعقب أن هناك من يورد خلافاً في بقاء عقبه كابن فندق، على حد زعمه، وهذا هو الوهم منه بعينه، وعدم التحقيق، والفهم السقيمُ لكلام العلماء ولألفاظهم ومراداتهم ومصطلحاتهم، وهو من البعد عن تحرير كلامهم حسب قواعد هذا الفن. وهو يدل على خلل كبير في منهج من مارسه، وإن ادعى المعرفة فيه. وهو مخالف لما قرره العلماء أن من أوصاف العالم بالنسب: أنه يجب أن يكون النسابة عارفاً بالنـسب، وخصـوصياته، وممـيزاً لدارجه عن غيره، ومنقرضه عن من سواه([6]). فمن كانت هذه الصفة ومثيلاتها من أوصافه كان من المقتدرين على ضبط الأنساب، وتحريرها بحسن الإتقان، والدقة.

ونحن إذا تأملنا ما ذكره الكاتب وحررنا كلام العلماء فيه علمنا أن الصواب قد جانبه في فهمه كل المجانبة، وأن الخطأ والخلط كانا أكبر حليفَـيْهِ فيما زعمه من وهمٍ وتناقضٍ ومخالفةٍ في كلام ابن فندق. وذلك أن ما أورده العلامة النسابة ابن فندق لا يدل ولا يقتضي ما فهمه الكاتب الذي أبعد النجعة، وأخذ بظواهر الأسماء، وسار بها من غير تحقيق، فوصف ورمى ابن فندق بالتناقض ومخالفة الإجماع، وجعل مراده بالتناقض مع نص الانقراض على من بقي له عقب تارة وهو محمد الأكبر، وعلى من انتهى عقبه وانقرض تارة وهو محمد الأصغر، وهذه هي العتبة الأولى من عتبات التشكيك في الأنساب المتواترة اليقينية، وتتضمن فاتحةَ الطعن في الأنساب الثابتة، من خلال محاولة إثارة الأوهام الساقطة على أنها شُبهٌ، ومحاولة جعل الفهم الباطل شبهةً في النسب الذي لا تَطَالُـهُ الشُّبه ولا تطمع في ذُراه الشكوك.

ولبيان هذا الخطأ والخلط الواضح من الكاتب: أنه جاء في النسخة المطبوعة في «لباب الأنساب والألقاب والأعقاب» لابن فندق البيهقي في 2/463 ما نصه: «محمد بن موسى بن عبد الله بن موسى الجون، كان له عقب بالتمام، ثم انقرضوا». وهذا ما نقله الكاتب بتمامه، ولم يحرره التحرير الصحيح، بل جعل هذه العبارة شاهداً على تناقض ابن فندق، مع عباراته الأخرى التي تقدم ذكرها. وهذا من سوء الفهم، مع سوء الأدب مع هذا العلامة؛ إذ كان ينبغي عليه أن يعتبر الجملة الثانية مفسرةً للجملة الأولى موضحةً لها، بدلا من أن يعتبرها متناقضةً معها. هذا هو منهج المنصفين في فهمهم لكلام العقلاء، فضلا عن كلام العلماء!

وتحرير كلام ابن فندق يتضح مما يلي:

أولاً: أننا إذا رجعنا إلى عقب موسى الثاني بن عبد الله الرضا الشيخ الصالح بن موسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم نجد أن له ابنين باسم محمد، مُيز وفُـرِّقَ بينهما بنعت أحدهما بالأكـبر والآخر بالأصغر، كما هي العادة عند علماء النسب «كما أشرنا سابقاً»، وأن محمد الأكبر هو الذي له عقب وبقية استمرت إلى زماننا، وأن محمد الأصغر كان له عقب ثم انقرض.

ومحمد الأكبر بن موسى الثاني المعقب هذا: كان له خمسة من الولد، هم: الحسن الحرابي، والقاسم الحرابي، والحسين، وعبد الله، وعلي. ومنهم من استمر عقبه إلى زماننا، منهم آل قتادة وغيرهم. وقد نص على أن محمد الأكبر هو الذي استمر عقبه غير واحد من العلماء منهم أبو الحسن شيخ الشرف العبيدلي في تهذيب الأنساب، ونهاية الأعقاب ص: 48-50، ونص فيه على أن في عقبه أفخاذ، وعز الدين المروزي الأزورقاني في الفخري في «أنساب الطالبيين» ص: 87-89، ونص على أن في عقبه بطون، والفخر الرازي في «الشجرة المباركة» ص: 7، وذكر أنه جد أمراء مكة، وأبو الحسن العمري في «المجدي» ص: 54، 55، وذكر من أعقابه بعض أمراء مكة وينبع والسرين([7])، وابن عنبة في «عمدة الطالب» ص: 156-176، وساق أعقابهم وفروعهم وذكر منهم أنساب بعض أمراء مكة إلى بني قتادة.

وذكرهم ابن الطقطقي في «الأصيلي» ص: 97-109، وابن المهنا العبيدلي في «التذكرة في الأنساب المطهرة»: 20-23، 39، 329-330، وابن عميد الدين في «المشجر الكشاف»، وذكر أعقاب بني محمد الأكبر إلى زمن بني قتادة.

بل إن ابن فندق نفسه ذكر في «اللباب» 2/527 أعقاباً لمحمد الأكبر بما يتفق مع من تقدم ذكرهم من علماء النسب، حيث ذكر أعقاباً للحسين الأمير محمد الأكبر (هكذا نعته) ابن موسى الثاني بقوله: فصلٌ في أنساب أمراء مكة حرسهم الله…

وأما محمد الأصغر بن موسى الثاني فقد نص غير واحد أنه انقرض عقبه ـ أي أنه كان له عقب ثم انقرض.

فممن نص على أنه أعقب أولاً قبل الانقراض المروزي الأزورقاني في الفخري في «أنساب الطالبيين» ص: 87، وذكر في ص: 91، فذكر أن له ولدين هما أحمد أبو علي الأعرج وعبد الله أبو الزوائد. وأنه لم يزل لهما عقب.

وقال شيخ الشرف العبيدلي في «تهذيب الأنساب» ص52: «والعقب من ولد أبي عبد الله محمد الأصغر وهو الأعرابي من أبي علي أحمد الأعرج وفيه وعدد ومن عبد الله بن محمد أبي الزوائد».

وقال الفخر الرازي في «الشجرة المباركة في أنساب الطالبيين» ص11: «وأما محمد الأصغر بن موسى الثاني فله من الأولاد المعقبين: عبد الله أبو الزوائد، وأحمد الأعرج. وأما أبو الزوائد فله ابن اسمه محمد ويدعى أبا الزوائد أيضاً ولمحمد هذا ابن يدعى أبا الزوائد اسمه سليمان. ولم يزل لهم بعد ذلك».

وقال أبو الحسن العمري في المجدي في «أنساب الطالبيين» ص53، 54: «ومحمد الأصغر الأعرابي بينبع ابن موسى أعقب».

فما تقدم نقله عن علماء النسب فيه إثبات أن محمد الأصغر كان له عقب بالحجاز، وهو ينطبق على قول ابن فندق في النسخة المطبوعة من «اللباب»: «كان له عقب بالتمام ثم انقرضوا». والمنطبق أيضاً على قوله في الموضع الآخر «أبو عبد الله محمد الأصغر بن موسى الثاني بن عبد الله السويقي، له عدد وجماعة بالحجاز والبادية من الأمراء والأجلاء».

ومعنى انقرض معلوم عند العلماء ومنهم ابن فندق نفسه حيث فسره في «اللباب» بقوله: «وانقرض، أي: كان له عقب فانقرض هو وعقبه». فدل على أنه لا تعارض في كلامه وكلامه يفسر بعضه بعضاً بجمعه، فهو في موضع ذكر أنه أعقب وفي موضع آخر ذكر أنه انقرض وهو متفق مع كلام علماء النسب الآخرين.

وممن أشار إلى ذلك النسابة العلامة ابن عنبة فذكر أن عقب محمد الأصغر لم يستمر ولم يبق لهم بقية، وأنه انقرض فقال في «عمدة الطالب» ص149: «وأما موسى الثاني… فولد ثمانية عشر ولداً ذكراً وهم عيسى وإبراهيم والحسين الأكبر وسليمان وإسحاق وعبد الله وأحمد وحمزة وإدريس ويوسف ومحمد الأصغر ويحيى وصالح والحسين الأصغر والحسن وعلي وداود ومحمد الأكبر.

أما عيسى فلم يعقب. وأما الحسين الأكبر فلم يذكر له ولد. وأما إبراهيم وسليمان وإسحاق وعبد الله وأحمد وحمزة ومحمد الأصغر الملقب بالأعرابي والحسين الأصغر فانقرضوا، وأما يوسف بن موسى الثاني… الظاهر أنه منقرض وبقي عقب موسى الثاني من سبعة رجال: إدريس ويحيى وصالح والحسن وعلي وداود ومحمد الأكبر».

وممن أشار إلى انقراض عقب محمد الأصغر بن موسى الثاني مع ذكره لولديه أحمد وعبد الله ابن عميد الدين في المشجر الكشاف.

فبعد هذا البيان والإيضاح، يتضح لنا أن عقب محمد الأصغر قد انقرض بعد أن كان له بقية في الحجاز, نص العمري على أنه بينبع، ونص ابن فندق على التمام.

وكلاهما منازل للحسنيين كانوا يتنقلون فيها.

ومن المعلوم لمن تتبـع أخبـار بني الـحسن أن أماكـن تواجدهم كانت في نواحي المدينة كملل، وسويقة، والسيالة، وحزرة، والـحورة، ويـين، والأثيب، والفرش، والفرع أعلـى حزرة([8]) وجميعها تبعد عنها بنحو الخمسين إلى السبعين كيلاً جنوب المدينة على يمين الطريق القديم للمتجه لمكة وكلها متجاورة للأخرى إن لم تكن ملاصقة لها، بالإضافة إلى ينبع والصفراء. وأما التمام فلا يعرف في الحجاز موضع اسمه التمام بالمثناة إلا ما ذكره السمهودي في «وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى» في نسخة دار الكتب العلمية 3/ 1008 بتحقيق محي الدين عبد الحميد قوله: «وبين السيالة، والروحاء أحد عشر ميلاً، وبينهما ملل على سبعة أميال، وهي لولد الحسن بن علي بن أبي طالب، ولقوم من قريش، وعلى ميلين منها عين تعرف بسويقة لولده عبد الله بن حسن كثيرة الماء عذبة، وهي ناحية عن الطريق… وعلى ميلين من السيالة أراد من أولها، ولهذا قال المطري: شرف الروحاء هو آخر السيالة، وأنت متوجه إلى مكة، وأول السـيالة إذا قطعت شرف ملل، وكانت الصخيرات التـمام عن يمينك، وقد هبطت من ملل ثم رجعت عن يسارك واستقبلت القبلة فهذه السيالة» انتهى.

إلا أن علماء المواضع، والبلدان، وأهل اللغة ذكروا هذا الموضع باسم الثمام بالمثلثة وهو الصواب وهو ما أثبته الدكتور قاسم السامرائي في تحقيقه على «وفاء الوفاء» نسخة مؤسسة الفرقان، ومن المعتاد أن أكثر التصحيف يحصل في النقط، بل إن التاء والثاء من الحروف المتشابهة التي كثير ما يحصل فيها التغيير والتبديل، والتصحيف لتشابه كتابتها، وقرب نطقهما، ومخارجهما، وبسبب قرب اللهجات فيها وغيره.

ومن المعلوم عند المعتنيين بتحقيق التراث أن من وسائل تحقيق النص مراجعة المصادر المماثلة. ومثل هذا ذكره كبار المحققين كالأستاذ عبد السلام هارون والدكتور بشار عواد وغيرهما.

فالبحث هنا هو في موضع اسمه التمام، فمظنة وجود أمثاله في كتب البلدان والأمكنة([9]).

وإذا علمنا أن نسخة «اللباب» هذه التي بين أيدينا واعتمدها الكاتب نسـخة مليئة بالأخطاء، وبالتصحيفات والتحريفات، والسقط والزيادات ـ وقد أشار إلى هذا بعض المحققين (كما تقدم في أول هذا المقيد)، حيث قال السيد عبد العزيز الطباطبائي في مجلة «تراثنا» في الجزء 37 صفحة 167 عن هذا الكتاب وطبعته: «طبع في قم سنة 1410هـ لأول مرة من مطبوعات مكتبة المرعشي في جزأين، طبعة سقيمة مشوهة ملؤها أخطاء، والذنب للناسخيـن السّابقيـن، فقـد كانوا بعيديـن عن علم الأنساب، جاهلينَ بمصطلحاته، فحرفوا وصحفوا، قيّض الله محققاً عالماً بالأنساب، خبيراً بمصطلحاتهِ، عارفاً باللغة العربية وكناياتها ومجازاتها، أديباً بارعاً يجيد التحقيق، يُحيي هذا الكتاب وينقذهُ ممّا مني به هذه المدة». ـ كان ذلك مدعاة لتحقيق النص وضبطه في هذا الكتاب.

وبتطبيق ما ذكرنا من أهمية تحقيق النص الذي نريد وتخريجه من الكتب والمصادر التي هي مظنة البحث فيها، ظهر لنا أن هذا الموضع الذي يقال له الثمام هو في ديار ومتبدى بني الحسن بن علي رضي الله بالحجاز عنهما الذين منهم عقب محمد ابن موسى الثاني المذكور، فتبين لنا أن المراد والأقرب في كلام ابن فندق «الثمـام» وأن عبارتـه فيها سقط لنقطـة وهو من التصحيف اليسير.

وقد ذكر أهل العلم بالمواضع والبلدان أن الثمام موضع بين السيالة والفرش، وبالقرب منها سويقة، وحزرة، والأثيب، والحورتين، ويين وجميع هذه المواضع من ديار ومنازل الحسنيين المعروفة والثمام في آخر السيالة التي هي لبني الحسن بن علي رضي الله عنهما.

قال ياقوت في «معجم البلدان» 3/83: «صخيراتُ الثُمام: بالثاءِ المثلثة المضمومة، وقيل: الثمامة بلفظ واحدة الثمام، وهو نبث ضعيف له خوص أو شبه بالخوص، وربما حشيت به الوَسـايد وهو، منزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بدر وهو بين السيَالة وفَرش».

وقال أيضاً 1/66: «أحجارُ الثمام: أحجار جمع حجر والثمام نبتٌ بالثاء المثلثة. وهي صُخَيرات الثمام نزل بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في طريقه إلى بدر قُربَ الفرش ومَلَل. قال محمد بن بشير يرثي سليمان بن الحصين:

ألا أيها الباكي أخاه وإنما
تفرّق يوم الفذفَد الأخوان
أخي يوم أحجار الثمام بكيته
ولو حمّ يومي قبله لبكاني
تداعَت به أيامه فاخترَ منَه
وأبقينَ لي شجواً بكلّ مكان
فليتَ الذي ينعي سليمان غَدوة
دعا عند قبري مثلها فنعاني





وقال أيضاً 1/454: «الثُمامَةُ: بضم أوله، صخيرات الثمامة إحدى مراحل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى بدر، وهي بين السيالة وفرش كذا ضبطه أبو الحسن بن الفرات وقيده وأكثرهم يقول صخيرات الثمام ».

وقال ياقوت في «معجم البلدان» 3/321 عن ملل المجاور للفرش والسيالة التي بينها الثمام: «مَلَل واد ينحدر من ورقان جبل مُزَينة حتى يصب في الفرش فرش سويقة وهو متبدى بني حسن ابن علي بن أبي طالب وبني جعفر بن أبي طالب ثم ينحدر من الفرش حتى يصب في إضم ثم يفرغ في البحر».

وأما السيالة فجاء عنها في البلدان 1/34: «مَلَل وهي في هذا الوقت منازل قوم من ولد جعفر بن أبي طالب وإلى السيالة وبها قوم من ولد الحسن بن علي بن أبي طالب».

وقال البكري في معجم ما استعجم 1/210: «والسيالة لولد الحسن بن علي ومنها إلى الروحاء اثنا عشر ميلاً».

وجاء في المناسك المنسوب لأبي إسحاق الحربي: «السيالة لولد الحسن بن علي رضي الله عنه».

وقال السمهودي في «وفاء الوفاء» 3/1008: «وبين السيالة والروحاء أحد عشر ميلا وبينهما ملل على سبعة أميال وهي لولد الحسن ابن علي بن أبي طالب ولقوم من قريش وعلى ميلين منها عين تعرف بسويقة لولدة عبد الله بت حسن كثيرة الماء عذبة وهي ناحية عن الطريق… وعلى ميلين من السيالة أراد من أولها ولهذا قال المطري: شرف الروحاء هو آخر السيالة وأنت متوجه إلى مكة وأول السيالة إذا قطعت شرف ملل، وكانت الصخيرات التمام عن يمينك، وقد هبطت من ملل ثم رجعت عن يسارك واستقبلت القبلة فهذه السيالة وكانت قد تجدد فيها بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم عيون وسكان وكان لها وال من جهة والي المدينة ولأهلها أخبار وأشعار وبها أثار البناء وأسواق وآخرها الشرف المذكور والمسجد عنده، وعنده قبور قديمة كانت مدفن أهل السيالة… قلت ـ أي السمهودي ـ وتلك القبور التي عند المسجد مشهورة بقبور الشهداء ولعله لكون بعضهم دفن فيها ممن قتل ظلماً من الأشراف الذين كانوا بالسيالة وبسويقة».

وأما سويقة فهي غنية عن التعريف، وسكنى الحسنيين بها مما عرف واشتهر ذكره في التاريخ، وهي بالقرب من السيالة على نحو من خمسين كيلاً، وقد استُوعِب الحديث عنها، وتحديدها والفرق بينها وسويقة التي في ينبع في رسالة مستقلة بعنوان: «سويقة عبد الله بن الحسن بين البلادي والجاسر وتحقيق الصواب بينهما»([10]).

وقال أبو الفرج الأصفهاني في «مقاتل الطالبيين» 1/81: «أخبرني عمر، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال حدثنا عبد الله بن إسحاق بن القاسم؛ قال: حدثني إبراهيم بن عبد الله بن الحسن، قال: لقيني موسى بن عبد الله بالسيالة، فقال: انطلق أرك ما صنع بنا في سويقة، فذهبت معه، فوجدت نخلها قد عرقبت».

وقال البكري في «معجم ما استعجم» 1/126: «سويقة… على مقربة من المدينة وبها كانت منازل بني حسن بن حسن بن علي».

وقال الفيرزابادي في «المغانم المطابة» 2/858: «سويقة: تصغير ساق موضع قرب المدينة يسكنه آل علي بن أبي طالب رضي الله عنه».

وقال السمهودي في «وفاء الوفاء» 4/1239: «سويقة… عين عذبة كثيرة الماء بأسفل حزرة على ميل من السيالة ناحية الطريق يمين المتوجه إلى مكة، لولد عبد الله بن حسن».

وأما حزرة التي بالقرب من سويقة والسيالة فهي لبني الحسن بن علي رضي الله عنهما كما نص على هذا البكري في معجم ما أستعجم 1/126: «الحزرة: بفتح أوله وإسكان ثانيه وبالراء المهملة: موضع تلقاء سويقة وهو مال لآل حسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه».

وقال الزمخشري في الجبال والأمكنة والمياه ص69: نقلاً عن الشريف عُلَي بن وهاس: «وما بين شرف السيالة، والسيالة أرض تطؤها طريق الحاج، فأودية القبلية، التاجة وحزرة ومثغر والرس وحورة».

ويين موضع بالقرب من الحورة التي أسفلها سويقة. قال الزمخشري الجبال والأمكنة والمياه ص84 ونقله عنه ياقوت في معجم البلدان 4/353: «يين عين بواد يقال له حورتان وهي اليوم لبني زيد الموسوي من بني الحسن».

وبمثله في الجبال والأمكنة والمياه: 84، وفي وفاء الوفاء: 4/1335، وفي المغانم المطابة: 3/1160. وزيد المذكور هو ابن موسى الثاني أخو محمد الأكبر ومحمد الأصغر أبني موسى الثاني فدياره هي ديار قومه وبني أبيه.

وعرف البكري حورة التي لزيد هذا في معجم ما استعجم 1/47 بقوله: «وبحورة الشامية هذه كان ينزل محمد بن جعفر الطالبي، في بقاع بن دينار، أيام كان يقاتل بن المسيب. والحورة: الشعب في الوادي. ومن أودية الحورة واد بنزع في الفقارة، سكانه بنو عبد الله بن الحصين الأسلميون والخارجيون، رهط الخارجي الشاعر، وهم من عدوان، تزعم جهينة أنهم حالفوهم في الجاهلية. وبأسفل الحورة عين عبد الله بن الحسن، التي تدعى سويقة».

فبعد أن علم أن مراد ما جاء في النسخة المطبوعة لـ«لباب الأنساب» لابن فندق هو الثمام، وبيان السقط الحاصل فيها بجعلها من المثلثة للمثناة، وما تقدم من الشواهد والقرائن الجغرافية أنها من منازل الحسنيين بالحجاز، كل ذلك يدل على أن المراد بمحمد بن عبد الله المنقرض عقبه هو محمد الأصغر، ويؤكد هذا أيضاً ما ذكره ابن فندق نفسه عن قوله الذي أشكل على الكاتب ما نصه: «أبو عبد الله محمد الأصغر بن موسى الثاني بن عبد الله السويقي له عدد وجماعة بالحجاز والبادية من الأمراء والأجلاء».

فهذا كلام مجمل في الديار، وما تقدم تفصيل له، حيث ذكرنا منازل بني الحسن، ومنها يتبين مراد ابن فندق، بل إنه إذا قيل عن بادية ولد عبد الله بن الحسن في الحجاز عند المتقدمين فبالاستقراء يكون مقصودهم منها الديار التي ذكرنها آنفاً، ومن صريح كلام العلماء في ذلك: وصف ياقوت لها بأنها مُـتَبدَّى بني الحسن.

ويشهد لهذا ما ذكره محمد بن القاسم الرسي من ولد القاسم الرسي بن ابراهيم طباطبا بن إسماعيل بن إبراهيم الغمر الشبه ابن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ورحمهم الله المتوفى سنة 284هـ في كتابه الهجرة والوصية ص: 67-70، عند وصيته لولده بسكنى البادية وتعريفه لبادية بني الحسن لهم وذكر منهم بني زيد بن الحسن وبني عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم حيث قال: «ولم يـزل من مضى يا بني من الأسلاف من قومكم في قديم الزمان، تكون لهم البوادي ويتخذونها ويسكنونها في كل بلدة وبكل مكان، ولم يزل الأشراف قط يتبؤون البادية ويعتزلون عن القرى والمدن في الصحاري والبرية في كل ناحية.

فاعتزل في أول الـدهر والناس حينئذ ناس في أكبر الشأن والأمر، بنو حسن فَتَـبَدَّوْا، أولهم زيد بن الحسن بن علي عليهم السلام في بادية من المدينة تسمى البطحاء على أربعة أميال، فاحتفر بها بياراً، وبنى بها مساكن متباعدة بعضها من بعض ودوراً، فلم يزل بها بنو حسن بن زيد حتى فرقتهم منها هذه الفتن التي وقعت بالحجاز فكانوا أصح قوم أبداناً، و أجلدهم جلداً و أظهرهم و أنظرهم ألواناً.

واتخذْ يا بني! عمُّكم عبد الله بن الحسن فيما مضى من الدهر والزمن بادية لنفسه وولده من سويقة، وأكنافها وأوديتها و شعابها، فاحتفر بياراً وعيناً بالحَزْرَة في قربها، فيها بنو عبد الله ابن الحسن بن الحسن إلى اليوم، و بعضهم قد اتسعوا و حلوا في بوادي ينبع والغور.

فبنو عمكم بنو عبد الله بن الحسن يا بني منذ نزلوا البادية، أكثرُ قومكم عدداً، وأجلدهم جلداً، وأوسعهم منازل وبلداً، وأكثرهم في معائشهم ارتفاقاً بالمواشي من الإبل والغنم، فأقربهم لمجاورتهم العرب إلى أخلاق الحرية والكرم، قد دربتهم وخرجتهم البادية وأهلها، فجلدوا واشتدت أبدانهم في منازلهم إن حضروا، وقووا على السفر إذا احتاجوا إلى أن يسافروا فهان وخف عليهم في السفر سرى الليل، وكبارهم و صغارهم يركبون صعاب الرواحل وصعاب الخيل، رجال ذووا رجلة، مخشوشنون بأدنى اللباس والغذاء مكتفون، قد زال عنهم بسكنى البادية الاسترخاء، والتفكك والوهن والكسل… ولآل الحسيـن: بوادي العقيـق والعريض في البوادي والخلوات.

ولآل جعفر: بوادي الفرش، وبوادي الغور، فلكل بطن منهم بوادي ومعتزلات، ولهم منازل في البوادي والخلوات… وكان يقال لا يتم شرف قوم من الأشراف حتى تكون لهم بادية.

ولم يزل يا بني كل من يتمعض، ويأنف ويتمرأ، وإنْ لم يكن ذا دين من بطون أشراف قريش إلَّا ولهم بادية، بل لكل بطن منهم بواد و معتزلات، و منازل في البوادي وخلوات».

وهناك رسالة في بادية الأشراف بالحجاز وتاريخها([11]) بعنوان «المجاز بذكر بادية أشراف الحجاز».

وبما تقدم عُلم أن مراد ابن فندق بالذرية المنقرضة ذريةُ محمد الأصغر بن موسى الثاني التي كانت لها بقية وعقب بالحجاز كما أوضح ذلك هو بنفسه، وأوضح أنها انقرضت بالثمام بالمثلثة، والثمام موضع بالحجاز. ولا يلزم من قول ابن فندق عن عقب محمد الأصغر أنهم بالحجاز والبادية أنهم في جميع الحجاز، فالبادية المقصودة عند المتقدمين لبني الحسن هي في ناحية معينة جنوبي المدينة المنورة على ساكنها وآله أفضل الصلاة والسلام إلى ينبع والتي تقدم التفصيل عنها، وأما قوله بالحجاز فهو جزء منها حدده في موطن آخر من كتابه بالثمام، وقد جاء كثير مثل هذا في كتب النسابين بوصف الموضع وقولهم عن عقبه أنهم بالحجاز وقريب منه، كنحو قول ابن عنبة في «عمدة الطالب» ص: 142، عن عقب علي العمقي بن محمد الأصغر بن أحمد المسور بن عبد الله بن موسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ما نصه: «أما علي العمقي، وهو منسوب إلى العمق منزل بالبادية، كان ينزله وولده يعرفون بالعميقيين ويقال لهم العموق أيضاً وهم عدد كثير بالحجاز…». والعمق في الحجاز بنواحي المدينة موضعين بنفس الاسم.

قال الفيروز أبادي في «المغانم المطابة» 3/959: «العمق بفتح أوله، وسكون الميم، بعده قاف: واد يسيل في وادي الفرع، ويسمى عمقين، لقوم من ولد الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم… والعمق أيضاً: موضع آخر قرب المدينة من بلاد مزينة». ومثله ذكره السمهودي في «وفاء الوفاء»: 3/392، والشريف عُلي في الجبال والأمكنة للزمخشري:62. فهنا وصف ابن عنبة ذرية علي العمقي المنسوبين للموضع أنهم بالحجاز.

وقال ابن عنبة أيضاً في «عمدة الطالب» عن عقب عبد الله العالم بن الحسين بن القاسم الرسي ص206 ما نصه: «وأما عبد الله العالم بن الحسين بن الرسي فله عقب كثير بالحجاز وعقبه من جماعة منهم إسحاق بن عبد الله العالم، عقبه بادية بالحجاز».

والمعلوم أن أعقاب بني الرسي في الرس من أودية المدينة القبلية أعلى حزرة وسويقة بنحو من 20 كيلاً وقد ذكره الشريف عُلي فيما تقدم نقله عن ياقوت عنه. وكان خروج عبد الله العالم إلى اليمن عند أخيه الهادي يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي من الرس هذا بما هو معروف ومشهور وآثار قبورهم وأنسابهم في شواهدها الحجرية كانت بها إلى زمن قريب، ومنها ماله علاقة نسب بعبد الله بن الحسين هذا.

وفي كتب الأنساب نحو من هذا كثير من تسمية مواضع منازل بني الحسن بالحجاز على موضع معين بمثل ما ذكرنا فينظر فيها بمزيد عن هذا.

والخلاصة أنه لا إشكال ولا تعارض حينئذ فيما ذكره ابن فندق من أن عقب محمد بالثمام وأنهم بالحجاز والبادية إذ المراد واحد كما تقدم بيانه بوضوح كافٍ. ولا معارضة لها أيضاً مع ذكر أعقاب لمحمد الأكبر في ابنه الحسين وما تناسل منهم وبين ذكره لمحمد المنقرض الذي لا ينطبق إلا على ذرية محمد الأصغر التي انقرضت كما نص ابن عنبة وغيره بعد أن كان لها وجود في الحجاز وخاصة في متبدى بني الحسن بن علي الذي نص عليه ياقوت. فكلام العلماء يفسر بعضه بعضاً، ولا يتعسر إلا على من أخذه من غير جمع وتحقيق.

وما ذكرناه هنا من فهم لكلام ابن فندق من أن المقصود بالمنقرض عقبه هو محمد الأصغر بن موسى الثاني هو ما فهمه علماء النسب من قبل كما ذكره ابن عنبة في عمدة الطالب عند حديثه عن أعقاب موسى الثاني المعقب وغير المعقب وهو متفق مع إيراد ابن فندق الذي فصل في ذرية موسى الثاني ممن لا عقب لهم وانقرضوا ثم أتبع ذلك بعده بقليل الحديث عن عقب محمد الأكبر بن موسى الثاني مستقلاً بقوله 2/527: (فصل في أنساب أمراء مكة حرسهم الله) ثم ذكر جملة من أعقابه في حين عند جزمه بانتهاء العقب في عبد الله بن محمد موسى الثاني وانقراض عقب محمد بن موسى الثاني لم ينعت محمد بالأكبر بما يدل على أن التغاير في الأشخاص مقصود في عبارته وأنهم مختلفون وهذا لا يحتاج إلى مزيد بيان!!!

ومن رجع لتمام الكلام في اللباب لابن فندق والعمدة لابن عنبة وجد ما ذكرناه جلياً بالتوافق بينهما مع تنصيص ابن عنبة أن المعقب محمد الأكبر والمنقرض محمد الأصغر الذي يدل على أن هذا هو الفهم الصحيح لكلام العلماء ومرادهم.

وبهذا يظهر أن الكاتب في وصفه كلام ابن فندق بالتناقض وجرأته عليه برميه بالتسرع في النفي، ووصف أقواله بالآفة العظيمة: أن هذه الأوصاف كلها تنطبق عليه هو بتسرعه، وهذه هي الآفة العظيمة حقاً، بعدم التحقيق والفهم لكلام العلماء، والمجازفة بالتطاول على أئمة علم النسب الأكابر بمثل تلك العبارات، وهم الذين حرروا وضبطوا، وجمعوا حتى وصلنا هذا العلم بأبهى حلة وأحسن طريقة وتصنيف.
 





  رد مع اقتباس
 

SEO by vBSEO 3.3.0