عرض مشاركة واحدة
قديم 09-05-2009, 04:17 PM رقم المشاركة : 1 (permalink)
القلعة
المدير العام
 
الصورة الرمزية القلعة





القلعة غير متواجد حاليآ بالمنتدى

افتراضي شاهد عيان على سقوط الإمبراطورية العثمانية

وثيقة عمرها مائة وثلاثة عشر عاماً
[align=right]شاهد عيان علي سقوط الإمبراطورية العثمانية [/align]
كانت أسرة المويلحيين من كبريات الأسر المصرية، ‬ذات باع طويل في السياسة والأدب والاقتصادي في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين، ‬حيث كان عبدالسلام المويلحي باشا »‬سر تجار مصر«‬، ‬أما أخوه إبراهيم المويلحي باشا،‬وابنه محمد المويلحي بك فقد كانا في مقدمة النجوم الكبار، ‬بل كانا من كبار المؤثرين في الرأي العام الإسلامي من جهة،‬وفي تطوير الأسلوب العربي والأدب العربي كله من جهة أخري،‬وهم في الأصل من مرفأ عربي علي شاطئ البحر الأحمر، ‬بلدة تدعي»‬مويلح«.. ‬منها رحل الجدود القدامي من عصور بعيدة إلي مصر، ‬حيث كانوا من كبار تجار الحرير الذي راجت في مصر تجارته وصناعته وممارسته.‬ ولئن كان محمد المويلحي بك الابن قد حظي بشهرة كبيرة منذ أن خلده تاريخ الأدب بكتابه الفذ الفريد: »‬حديث عيسي بن هشام«‬،‬فإن أباه إبراهيم المويلحي باشا كان أعظم كتاب عصره بغير منازع، ‬وإليه يرجع الفضل في نقل الأسلوب الأدبي العربي إلي الكتابة الحديثة، ‬حيث تحرر الأسلوب علي يديه من ترهلات الاطناب والجناس والطباق والبديع الزخرفي وسجع الكهان ليصبح أسلوباً ‬سلساً ‬ندياً،‬طازجاً،‬له جماليته الخاصة وبلاغته الناصعة إلي جانب امتلائه بالأفكار والمعاني والمعلومات والمشاعر. ‬إن بعض النقاد المحدثين ديضعونه من هذه الناحية في مرتبة أهم من عبدالله فكري والشيخ محمد عبده.‬ كان إبراهيم المويلحي مولعاً ‬بإصدار الصحف والمجلات، ‬فعدد الصحف التي أنشأها وحررها بنفسه بلغت خمس صحف،‬اشتهر منها صحيفة »‬نزهة الأفكار« ‬عام‬1869م،‬و»مصباح الشرق « ‬عام ‬1898م، ‬إلي ذلك كان يشارك في تحرير الكثير من الصحف والمجلات مثل مجلة** »‬المقطم « ‬التي كتب فيها عدداً ‬هائلاً ‬من المقالات السياسية والأدبية ‬غير أنه لم يكن معنياً ‬بجمع ما يكتبه للصحف في كتب تحمل اسمه، ‬بل إنه كان ينتمي إلي ذلك الجيل الذي اعتبر الكتابة رسالة اجتماعية وأخلاقية ودينية لا يصح أن يتخذها الكاتب نكئة لشهرة أو لكسب مادي، ‬فكان الكثيرون منهم - ‬وهو علي رأسهم - ‬يكتب بغير توقيع أحياناً، ‬ولولا حاجة الكتابة السياسية بالذات إلي توقيع يعلن مسئولية الكاتب عن رأيه لما قدر لنا أن نعرف اسمه علي هذا التراث الأدبي العظيم الذي خلفه .‬ عن مجلته »‬مصباح الشرق « ‬يقول الأستاذ عبدالعزيز البشري : »‬لست أغلو إذا زعمت أنني في مطلع نشأتي الأدبية كان مصباح الشرق عندي هو المثل الأعلي للبيان العربي «‬، ‬ويقول : »‬صدرت في مصر جريدة أسبوعية سياسية وأدبية باسم مصباح الشرق في أربع صفحات دون صفحات الجرائد التي تصدر الآن مساحة، ‬ولون ورقها يضرب إلي الحمرة ويقوم بتحريرها إبراهيم بك المويلحي وابنه السيد محمد المويلحي، ‬وكانت عامة الصحف الأسبوعية، ‬وقد وصلت في ذلك العهد من المهانة والاسفاف وتفاهة الموضوعات إلي أبعد الحدود، ‬لقد كان هذا مصباح الشرق شيئاً ‬طريفاً ‬حقاً، ‬بل لقد كان أبلغ ‬من طريف فإنه لأعجوبة حقاً، ‬لقد كان هذا مصباح الشرق أبلغ ‬من أعجوبة إنه لشيء يكاد يتصل بحكم الخوارق في تلك الأيام ! ‬بلاغه بليغة ولفظ جزل متخير، ‬وديباجة مشرقة، ‬وصيغ ‬موفقة، ‬ونسيج متلاحم، ‬وأسلوب ليس وراءه في هذا الذي يدعونه بالسهل الممتنع، ‬مذهب طريف في النقد، ‬نقد الأشخاص، ‬لا عهد للأدب العربي به من قديم الزمان، ‬لم تكد تطالع الناس هذه الصحيفة الدقيقة مرتين أو ثلاثاً ‬حتي أصبحت من بعض شغل الناس الخاصة في هذه البلاد !«.‬ وعن إبراهيم المويلحي يقول جورجي زيدان في تأبينه : »‬كان حلو الحديث لطيف النادرة سريع الخاطر، ‬حسن الأسلوب نابغة في الإنشاء الصحفي، ‬وفي الطبقة الأولي بين كتاب السياسة .. ‬رشاقة ومتانة وأسلوباً ‬مع ميل إلي النقد والمداعبة، ‬وقد انتقدوا عليه تقلبه في خطته وذلك تابع لتقلبه في سائر أحوال معائشه حتي قضي العمر في التنقل من عمل إلي آخر «.‬ لهذا كان إبراهيم المويلحي قريباً ‬من الطبقة الحاكمة في ذلك الزمان، عمل مستشاراً ‬لوزارة المعارف العثمانية في زمن السلطان عبدالحميد، ‬فعاش في الآستانة عشر سنوات، ‬أمضاها في رحاب القصر السلطاني يري كل كبيرة وصغيرة فيه، ‬ويستوعب أحواله ونظام الحياة فيه، ‬وعلاقاته، ‬ورجاله وحاشيته وخدمه وحشمه وجميع المترددين عليه من المشايخ وذوي المناصب والقواد وطلاب الحاجات حتي بات موسوعة في شخصية السلطان عبدالحميد خليفة المسلمين آنذاك وفي سياسته وفي شئون الحياة في القصر والآستانة بوجه خاص والإمبراطورية العثمانية الإسلامية بوجه عام، ‬وعندما تم عزل إسماعيل باشا عن إمارة مصر، ‬وآثر الإقامة في إيطاليا، ‬دعا إبراهيم بك ليؤنسه ويسامره ويخدمه في بعض مساعيه عند السلطان فحمل معه ابنه محمد، ‬وأقاما في نابولي في قصرإسماعيل بضع سنين، ‬والعمدة التي قضاها إبراهيم المويلحي في الاستانة تبدأ من عام ‬1885م وتنتهي عام ‬1895م، ‬والمعروف أن عهد السلطان عبدالحميد، ‬الذي بدأ عام ‬1876م وانتهي بخلعه عام ‬1909م وكان من أشد العهود اضطرابا وقلقاً ‬في خلافة بني عثمان كلها، ‬حيث كان الكثير من القوميات العالمية تأخذ النهوض لمناهضة ومواجهة الزحف الإمبراطوري العثماني، ‬الذي قدر له أن ينكمش في عهد السلطان عبدالحميد بل وتسقط من بين أصابعه بلدان كثيرة .. ‬علي أن أهم حدث في فترته العصيبة كان نشوب الحرب بينه وبين روسيا، ‬تلك الحرب التي لم يحسب حسابها جيداً ‬ولم يكن علي مستوي مسئوليتها أو مستوي الخلافة الإسلامية فكانت إيذاناً ‬بزوال الإمبراطورية العثمانية إلي غير رجعة .‬ حينذاك وصلت الأمة الإسلامية إلي حال من الفقر والتخلف والهوان يستحيل وصفها بكلمات، ‬كانت الاستانة تستنزف كل مواردها، ‬ليبددها السلطان المتخلف الموتور أدراج الرياح، ‬ينفقها علي شرذمة من المحتالين واللصوص والجواسيس أقاموا له أبهة وفخامة لم تعرفها جميع سلاطين الممالك طوال عصور التاريخ في حين يعيش أبناء الرعية كاليتامي يفتقدون العدل والانصاف والرغيف الحاف، ‬وليس ثمة من ينظر في أمورهم أو شكاياتهم أو أي شيء مما يختص بمستقبلهم .‬
[align=right]

قصة اكتشاف كتاب "ماهنالك "
لما كان إبراهيم المويلحي قد عاصر تلك المحنة واقترب من البلاط السلطاني العثماني ورأي كيف تتحلل هذه الإمبراطورية وتتفكك عراها وتكشف مخازيها تحت وطأة الطغيان والسفه والانحطاط الثقافي والاجتماعي، ‬ولما كان بطبيعته كاتباً ‬سياسيا ‬انتقادياً ‬فقد أملي عليه ضميره الحي أن يكشف عيوب وعورات هذه السلطنة، ‬ويعالج فسادها بالنقد والتقويم، ‬وأن يقدم رؤية شاهد عيان لما رآه ولمسه بنفسه، ‬وأن يدق ناقوس الخطر لعل السلطان يفيق من ‬غيبوبته وينتبه إلي أحوال المسلمين وإلي أركان إمبراطوريته التي تزعزعت وتصدع بنيانها وفقدت نصف خريطتها الأهم .‬ وهكذا بدأ إبراهيم المويلحي يكتب في جريدة المقطم المصرية فصول كتابه الخطير »‬ماهنالك «‬، ‬ليقدم فيه بانوراما حية لحياة السلطان ونظام قصره وكيف يسير الأمور ويدير دفة حكم البلاد، ‬في شكل شبه تسجيلي صرف، ‬من خلال وجهة نظر انتقادية حادة حارة، ‬تحكمها خلفية سياسية واعية عميقة الثقافة تعرف الكثير والكثير عن نظم الحكم في العالم وعن الدساتير، ‬وأسباب التقدم السياسي والعسكري والحضاري المأخوذ بها في أرقي الدول في أرقي العصور، ‬ولهذا جاء كتابه سجلاً ‬حافلاً ‬عن كل أمراض الإمبراطورية العثمانية الفتاكة، ‬لدرجة أن من ‬يرد أن يقف علي أسباب انهيار هذه الإمبراطورية علي وجه الدقة واليقين فليقرأ كتاب »‬ماهنالك «‬، ‬لمؤلفه إبراهيم المويلحي، ‬الذي قد يغنيه عن أي بحث في أي مصادر تاريخية أخري، ‬حيث سيعطيه هذا الكتاب تحليلاً ‬دقيقاً ‬عظيماً ‬نزيهاً ‬لكل ما رآه ولمسه وعاصره وعايشه .‬ علي أن الكتاب ما كاد يصدر في القاهرة في عام ‬1896م، ‬حتي وصل خبره إلي الاستانة، ‬فتلقي إبراهيم المويلحي أمراً ‬سامياً ‬من جلالة السلطان عبدالحميد بأن يقوم بنفسه بجمع كل النسخ المطبوعة من كتابه ثم إرسالها إليه !‬، ‬ولم يكن المويلحي يستطيع مخالفة هذا الأمر، ‬فجمع النسخ بالفعل وأرسلها إلي الاستانة، ‬فيما عدا بضع نسخ كان قد وزعها علي الأصدقاء والأقارب، ‬ولعله كان في أعماقه راضياً ‬عن هذا الفعل، ‬فلربما قرأ كتابه علي السلطان فيعرف مخازيه وأمراضه فيعالجها قبل فوات الأوان .‬ طوي أمر هذا الكتاب منذ ذلك التاريخ، ‬ولم يرد ذكره إلا في كتاب للدكتور عبداللطيف حمزة عن أدب المقالة الصحفية، ‬وفي مقال آخر كتبه إبراهيم المويلحي الحفيد عن جده نشرته مجلة الرسالة ذات يوم بعيد .‬ ويذكر الناقد الراحل علي شلش - ‬يرحمه الله - ‬أنه حاول العثور عليه في دار الكتب المصرية فلم يوفق ‬ثم إنه وجد عنوانه ضمن فهارس مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن، ‬فطلب الاطلاع عليه، ‬ولكن موظفي المكتبة لم يعثروا له علي أثر، ‬بل اكتشفوا وقتها اختفاء نسخة أخري منه مصورة علي »‬ميكروفيلم «‬، ‬إلا أن الأستاذ الباحث الدؤوب أحمد حسن الطماوي - ‬ما أجمل هذا الرجل الجندي المجهول حقاً ‬رغم شهرته - ‬فاجأه بوجود نسخة من الكتاب في حوزته، ‬فاقترح عليه شرحه وتحقيقه بما أنه - ‬الأستاذ الطماوي - ‬من قلة نادرة تخلص للبحث في الأوراق المنسية، ‬وله في ذلك جهود كثيرة ملموسة للمغرمين بالتنقيب في تراث الأزمنة القديمة بهدف إعادة كتابة التاريخ الأدبي والسياسي والاجتماعي، ‬غير أنه يعمل في صمت ولا يعرف أساليب الدعاية والإعلان والترويج لأعماله، ‬ولعل وقته الثمين لا يتسع لذلك .‬ إلي كل ما تقدم قوله يضيف الدكتور الطماوي شهادة بأن للمويلحي مآثر كثيرة، ‬منها رسالة »‬الفرج بعد الشدة « ‬التي كتبها في مصطفي رياض باشا ورفعها إلي السلطان عبدالحميد، ‬ومنها كتاب »‬ما هنالك « ‬في المعية السنية، ‬و»حديث موسي بن عصام « ‬وهو في أدب المقامات يتناول أوضاع المجتمع المصري، ‬ومن الواضح إذاً ‬أن ابنه محمد المويلحي قد كتب علي ‬غراره كتابه الشهير - ‬ربما أشهر كتاب في الأدب العربي - »‬حديث عيسي بن هشام «‬، ‬ولإبراهيم المويلحي أيضاً ‬كتاب »‬الشرق والغرب « ‬وهو مجموعة كبيرة من المقالات تناول فيها جملة الأوضاع الخسيسة في الغرب، ‬لإبراز مساوئ الأوروبيين، ‬رداً ‬علي ما يحاول الأوروبيون إظهاره من أوجه الفساد في الشرق، ‬وله كذلك كتاب »‬كلام في المطبوعات « ‬وهو مجموعة من المقالات تناول فيها الصحافة الأوروبية والأمريكية، ‬والصحافة الشرقية في وادي النيل والشام ودولة الخلافة، ‬في دراسة مقارنة تعتبر - ‬في رأي الباحث الطماوي صاحب هذه المعلومات المهمة - ‬من أقدم البحوث في تاريخ الصحافة في القرن التاسع عشر، ‬كذلك للمويلحي كتاب »‬كلمة في التاريخ «‬، ‬وهو طائفة من المقالات تحدث فيها عن فلسفة التاريخ ومناهج كتابته وتطور تدوينه، ‬قدم فيها نظرات نقدية، ‬ودعا إلي نقد الروايات التاريخية وتحقيق الحوادث، ‬وأكد ضرورة أن تكون للمؤلف طريقته الخاصة في البحث تقوم علي اتباع طريقة الاستقراء وفحص الجزئيات والتأليف بينها والتحليل التفصيلي ونقل الإسناد وتحديد كل واقعة في ذاتها وهو بذلك يعتبر أسبق الداعين إلي الدراسة المنهجية القائمة علي إعمال العقل .‬ عثرت علي مسودة هذا المقال في أوراقي القديمة التي ترجع إلي زمن صدور هذا الكتاب مشروحاً ‬ومحققاً ‬من الدكتور أحمد حسن الطماوي، ‬فهالني أمر هذه الوثيقة الخطيرة التي مرت بدون أن يلتفت إليها أحد، ‬رأيت أن القارئ الراهن يحق له أن يتعرف علي مثل هذه النماذج العظيمة من الفكر المصري المستنير المقاوم الذي كان طليعة التحديث علي أصعدة السياحة والاقتصاد والأدب والمجتمع، ‬وعلي مثل هذه الصحافة الممثلة للضمير القومي الحق، ‬وأن ينتفع بما جاء في هذا الكتاب الوثيقة من عبر ودروس تاريخية هو أحوج ما يكون إليها في هذه الآونة القلقة المضطربة علي وشك الارتداد إلي القرون الوسطي ضاربة عرض الأفق بكل ما انجزته الإنسانية من قيم حضارية وتقدم علمي مبهر، ‬فإلي الكتاب الوثيقة .‬

[imgr]http://www.alwafd.org/admin/newsimgs/31265s.jpg[/imgr]
[/align]







بقلم ‬خيري شلبي | الوفد المصريه 5-9-2009


 





  رد مع اقتباس
 

SEO by vBSEO 3.3.0