عرض مشاركة واحدة
قديم 11-21-2008, 01:21 PM رقم المشاركة : 51 (permalink)
خليل المويلحي
نائب المدير العام






خليل المويلحي غير متواجد حاليآ بالمنتدى

افتراضي

أختي الكريمة غموض، أسئلتك جميلة، واسمحي لي أن أبدأ بسؤالك الثاني حتى أكسب وقتا للتفكير مليا في السؤالين الأول والثالث.
تعجبني ايطاليا لأنها بمثابة وطني الثاني، فهي التي ترعرعت فيها من عمر 17 سنة الى أن تزوجت وخلفت. وجدت شعبها قريبا الى الشعب المصري من حيث الظرف وروح الدعابة والفهلوة، وزيدي عليها النصب والاحتيال، يعني المزيج واحد ولكن مستوى المعيشة والحرية مختلف. وكنت أستغرب لأن برامج التلفزيون الايطالي كان فيها نكت على الطبقة السياسية من رئيس الجمهورية ونازل، وغير النكت الشتائم أيضا ومنها *يا حكومة يا لصة*. هناك تعلمت الحرية. هناك اختلطت بكل التيارات، فقد كان زملائي في الدراسة ينتمون الى مختلف الأحزاب، من أقصى يمينها الى أقصى يسارها، وكنا جميعا متفاهمين على المستوى الانساني، جمعتنا المشاعر الانسانية حتى وان فرقتنا الميول السياسية، وهذا شئ لم أكن أتصوره لأننى خرجت من بلد يحبس ويهين ويقتل كل من عارض حكومته.
وايطاليا بلد الجمال الطبيعي (على عكس سويسرا حيث تتدخل يد الانسان في الطبيعة بالتهذيب والتشذيب والتجميل)، وأقصد بالجمال الطبيعي كل شبر. فمن أي مكان يسهل الذهاب الى البحر والريف والجبال والبحيرات، وفي كل مدينة وقرية تحف معمارية ومتاحف للفنون. ولا توجد أزمة مواصلات. والانسان له احترام، وأذكر أنني في بداية اقامتي كنت كالقروي الساذج مع أنني تربيت في مدارس فرنسية كانت تعلمنا الحياة الأوروبية. كنت فعلا مثل *فلاح كفر الهنادوة*. حاولت مرة قطع شارع متفرع من ميدان، وكنت أقطعه ماشيا على خط المشاة، وفجأة وأنا في ثلث المسافة فتح عسكري المرور الطريق واذا بسيل من السيارات يتجه نحوي. عندها تسمرت في مكاني لا أدري ماذا أفعل أو ماذا سيفعل بي. واذا بكل السيارات تقف حتى أصل الى البر الثاني. وكانت أعجوبة لأن المشاة في مصر هم الذين يتفادون السيارات!
ووجدت اللغة الايطالية أشبه بالموسيقى ويسهل تطويعها لترجمة النكت المصرية. ووجدت فيها جامعات كثيرة، لكل منها شهرتها، على عكس الأفكار المصرية التي تجعل من جامعة القاهرة الجامعة الأولى والأهم، ثم جامعة عين شمس، ثم جامعة الاسكندرية وهلم جرا. وتعلمت في ايطاليا أن كل جامعة فيها أساتذة قديرون لا يختلف أجدهم عن الآخر، أي أن طالب العلم يستطيع دخول أي منها بدون لجان تنسيق تتحكم في مصيره. والجامعات هناك تقبل الطلاب ما داموا حصلوا على الشهادة الثانوية بالمجموع الادنى للنجاح، لا فرق بين من نجح بمعدل 60% ومن نجح بعدل 98% لأن العبرة بمدى حبهم للدراسة التي سيشرعون فيها. أما في مصر فان اللجان تتحكم في مصير الطالب، فهي ترسله الى جامعة نائية عن مدينته والى كلية لم يكن راغبا فيها، وذلك لمجرد أن مجموعه ضعيف في الثانوي’
هكذا ينجح الأوروبي لأنه يختار دراسته الجامعية بنفسه، وما أن يختار ما يحب ينبغ فيه.
والايطاليون خرجوا مهزومين ومهانين من الحرب العالمية الثانية، ولكنهم بنوا تقدمهم الصناعي في سنين قليلة بسبب مواهبهم وبحثهم عن حياة ومستوى معيشة أفضل وحرية العمل.
البلد الآخر الذي أحبه النمسا، فهي دولة تحركت من اشتراكية الرخاء الى يمينية الثراء، بدون انقلابات وبدون أي تحكم من جانب العسكر، وأمورها الادارية لها روتين محدد ولكنه سهل، وما زالت الدولة تقيم المساكن حتى يصبح لكل مواطن مسكن، وما أسرع البناء العمراني وشق الطرق السريعة وتجميل المدن بالزهور. ,أعجبني فيها أن الأطفال يحيون الكبار بانحناءة، ولا يتحدثون ولا يردون على أي استفسار الا بعد السلام والتحية. وفي هذه الدولة وجدت احترام المواطن. ولا أنسى ما عانيته بسبب الجنسية المصرية، ففي مطار القاهرة لا احترام للمواطن، فهو لا يدخل بلده الا بعد "الكشف" عن سوابقه، والضباط لا يبتسمون ويعتبرون أنفسهم فوق المواطن وسبف الله المسلول عليه. وعندما تجنست بالجنسية النمساوية اذا بي أجوب العالم بلا تأشيرات، كل ما علي أن أذهب الى المطار وأشتري تذكرتي وأسافر. وأول مرة غادرت فيها فيينا بجوازي النمساوي وقفت في طابور الجوازات، وتوقعت من الضابط (وهو في الواقع عسكري لا يحمل نصف كيلو رتب على أكتافه) أن يستوقفني ويفتش باسبوري لأن سماتي عربية. وكانت المفاجأة: ما أن راى أن غلاف جوازي نمساوي حياني وفتح الباب الزجاجي لأدخل منطقة المغادرة، ولم يشأ أن ينظر حتى في الاسم أو الصورة. وكانت تلك أول مرة في حياتي شعرت فيها باعتزازي واحترام كرامتي كمواطن.
مصر ما زالت في قلبي وأتمنى لها الرقي. وهي التي أدفع فيها زكاتي، وهي التي فيها أهلي الأحباء، ولا شك في أنها أرخص بكثير من الدول الغربية. وأتمنى فيها أن تصبح قيمة الانسان أفضل من قيمة السيارة.
سويسرا بلد النظافة والقانون الصارم والجودة، كل شيء فيها يمتاز بالجودة والنظافة. لم أجد فيها حشرات ولا قمامة ملقية في الشوارع، وكل يوم أصحى للفجر أجد سيارة البلدية تغسل الشوارع بالماء. ولكنها دولة تخلو من الدفء الانساني حتى وان كانت حقوق الانسان فيها مكفولة.
الولايات المتحدة وكندا: العالم الجديد يحتلان في قلبي منزلة لأنني تعلمت فيهما ومنهما الكثير، وخاصة كندا وهي أستاذة في علم المبادئ السلمية واحترام آدمية البشر.
طولت عليك وأرجو أن تنتظري المزيد قريبا ان شاء الله.

 





 
 

SEO by vBSEO 3.3.0