عرض مشاركة واحدة
قديم 11-16-2008, 01:09 AM رقم المشاركة : 11 (permalink)
خليل المويلحي
نائب المدير العام






خليل المويلحي غير متواجد حاليآ بالمنتدى

افتراضي

أخي العزيز، أقدر لك حبك وسأرد على أسئلتك الرد *الوافي* (!)
أنا عشت في أوروبا الغربية أساسا، من اوائل الستينات الى بداية التسعينات وانتقلت بعدها الى أمريكا الشمالية. الدعوة في أوروبا صعبة لأن العالم القديم متشبث بأفكاره حتى وان لم يطبقها، ولا يتقبل بسهولة فكرة الاسلام. وفي الستينات كانت الجريدة L'Osservatore Romano ،وهي لسان حال الفاتيكان والبابا، تنشر أسبوعيا قائمة الكتب الممنوعة على المسيحيين المتدينين، وكان أول القائمة القرءان والحديث. وكانت الفكرة التي تروجها الكتب المدرسية هي أن *المسلم يتزوج أربع نساء ويعتقد أنه بعد الموت سيذهب الى جنة مليئة بالنساء*. وكان الأوروبيون يحبون طرح الأسئلة، لا للعلم بالشئ وانما للتسلية. وكانت معظم الكتب الصادرة عن العالم الاسلامي تنقل الاسلام بطريقة لا تلائم الغرب حتى وان كانت صحيحة دينيا.
أما في القارة الامريكية (العالم الجديد) فالناس أكثر تفتحا وتقبلا لكل ما هو جديد، والعناد عندهم قليل.
كانت سبيلي الى الدعوة مزدوجة: بالمحاضرات وبالجلسات الخاصة، المحاضرات لها تركيبة منطقية وتصاعدية مرتبة بحيث تلائم العقلية الغربية لا العربية، والجلسات الخاصة كنت أبدأها بصدمات هجومية تهز تفكير المستمع. مثلا أقول ان زواج الأربع نساء ليس رخصة وانما قيد يحد من عددهن، ثم أشرح الحالة في العهد الجاهلي حيث كان عدد الأزواج بلا حساب. ثم أزيد الهجوم بالتحدث عن حالة الأوروبيين الذين يكتفون رسميا بامرأة واحدة ويسافحون أخريات في السر دون أن يكفلون لهن احترامهن أو أجورهن أو نفقاتهن،أي يحرمونهن من حقوق الزوجية وحقوق الملكية والكرامة. وعندما يتحدثون عن الحجاب أقول لهم انه لا يختلف عن غطاء الرأس الذي تلبسه الراهبات ولكن العنصرية التي في القلوب تجعل الغربي كارها للحجاب الاسلامي ومتقبلا لحجاب الرهبنة المسيحية.
والصدمات من هذا القبيل تولد التفكير والخروج عن *الكليشيهات* المألوفة وأحيانا التراجع عن الأفكار سابقة التجهيز التي عبأت العقول.
والدعوة تقتضي معرفة اللغة والاسلام والأديان الأخرى (لا كما نتصورها في أذهاننا، وانما كما يعتقدها ويفسرها أصحابها)، وتقتضي نفسا طويلا وهدوءا قاتلا، لأن الاحتداد وارتفاع الصوت ليس دليلا على قوة المنطق بل على ضعف الأعصاب وقوة الصوت وعجز التفكير.
خطأ في التفكير لأننا قد نذهب شوطا بعيدا ونقنع أنفسنا بأن لدينا القدرة على الهداية، في حين أن الهادي هو الله سبحانه وتعالى الذي يهدي من يشاء ، أما نحن فلا نهدي من أحببنا ولسنا سوى أداة قد تصيب وقد تخيب.
الخلاصة أن الدعوة تقوم على عدة أركان:
أولها أن نسخر لله النعمة التي أنعم بها علينا والتي سيحاسبنا عليها يوم القيامة (العقل واللغات ونور الايمان).
ثانيها أن ندرك الواقع الأجنبي ودياناته (بالدراسة المتعمقة لا بجمع القشور) ونضع ترتيبا للآراء التي نعرضها من منطلق الأديان المقارنة، كأن نفصل مثلا بين الأحكام الدينية والأحكام الدنيوية ونجعل لكل منهما مقاما.
وثالثها عدم الخوض في المعتقدات الشعبية المحلية المسيئة للاسلام.
ورابعها نفي وجود مؤسسة دينية تمتلك الحقائق دون غيرها ، ونفي وجود ما يسمى برجال الدين، لأن الدين ملك الجميع وليس مهنة ولا يصح الارتزاق منه الا للضعيف غير القادر على العمل بسبب عاهة أصابته. وهذه النقطة صعبة لأن المسيحى واليهودي يعتبران الشيوخ وزيهم الموحد بمثابة قسيسين ومن هذا المنطلق يستغربون الداعية غير ذي الجبة والقفطان.
وخامسها القدوة الحسنة، لا بالأقوال فحسب بل وبالأعمال
وسادسها الامتناع عن اهانة أو سب أو احتقار الأديان الأخرى
ويجب أن يتسلح الداعية بآيات مثل *فلعلك باخع نفسك على آثارهم ألا يؤمنوا بهذا الحديث أسفا* وقول الله سبحانه وتعالى لرسوله (صلعم) *انك لن تهدي من أحببت لكن الله يهدي من يشاء* و *فذكر انما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر* .
أما عن صعوبات الدعوة فهي أن كتب الدعوة كتبت بعقلية العرب ونحن في أشد الحاجة الى كتب دعوة من تأليف الأجانب الذين أسلموا.
هذا ردي على سؤالك الأول، وهو رد طويل ولذلك سأختصر الرد على سؤالك الثاني: قراءاتي بعد القرءان والأحاديث القوية السند: نهج البلاغة، وحديث عيسى بن هشام لمحمد المويلحي والكتب العلمية (طب وبيولوجيا وآثار) والدراسات والمذكرات السياسية
وكتب الادارة والتنظيم. والغريب أن مهنتي كلها قراءة ولذلك آخذ عطلة من القراءة بعد ساعات العمل ثم أعود اليها قبل النوم وفي عطلة نهاية الأسبوع. وينبغي لكل قارئ أن يناقش ما قرأه حتي يثبت في ذهنه.
أضحك من قلبي بسهولة للنكتة الجميلة والمواقف التمثيلية المضحكة ورؤية الأحباء بعد الغيبة الطويلة، وهناك ما يضحك قلبي لا فمي وهو دخول الايمان في قلوب الآخرين. أما الدموع فأتذكر أنها انهالت لوحدها عندما قابلت والدي في مطار روما 1972 في طريقه الى لندن وأخبرني بوفاة والدتي بعد أن كتم الخبر شهرا. والمرة الأخرى في عام 1997 عندما ذهبت من كندا الى القاهرة لرؤية والدي وعندما توقفت في لندن اتصلت به لأطمئنه أني في الطريق اليه وعلمت أنه توفيمنذ ساعات قليلة، هذه المرة أيضا غالبتني الدموع ولم أستطع كبحها ساعتين. وقد تربيت على تحمل الصعاب وكظم الغيظ مما علمني التحكم في مشاعري. أقصد أن المشاعر متوفرة حتى وان لم تنضح.
أصعب موقف واجهته كان في شتاء عام 1972 عندما وجدت بيتي في تورينو (ايطاليا) قد فتح عنوة ولم يسرق منه شيئا، ثم في يونيو 1977 بعد أن عدت من ليبيا وذهبت لايداع مدخراتي في مصرف في تورينو ودخل علينا ثلاثة مسلحين من *الألوية الحمراء* ونهبوا المصرف ونصف مدخراتي (النصف الآخر كان صكوكا غير قابلة للتحويل). والمواقف الصعبة كثيرة ولكني أكتفي بهذا القدر حتى لا أثقل عليك وعلى أهل المنتدى. والمهم أن نقتنع بأنه لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا.
ودمتم لي بخير

 





 
 

SEO by vBSEO 3.3.0