تقع قرية بدا شمال شرق مدينة الوجه على مسافة 99كم على طريق الوجه العلا وتعتبر من اكبر قرى منطقة تبوك من حيث المساحة والكثافة السكانية .وهي واحة قديمة سكنتها قبيلة بلي قبل الاسلام ولازالت بها ولقد شهدت واحة بدا ازدهارا اقتصاديا وتوسعا عمرانيا خلال الفترة الممتدة من القرن الاول الى القرن الخامس الهجري نتيجة لمجموعة من العوامل اهمها توفر المياه بها من عينها التي كانت تجود بمياه غزيرة حتى وصفت بها في المصادر بأنها نهرا جاريا ووقوعها على طريق الحج المصري الداخلي (انظر الخريطة اعلاه) الذي كان طريقا رئيسيا لحجاج مصر ومن يرافقهم خلال القرون الثلاثة الاولى للهجرة وكذلك وقوعها على الطريق التي تربط ميناء العويند بمنطقة وادي القرى ( منطقة العلا ) وقد كان ميناء العويند الذي يقع شمال الوجه عند مرسى عنتر هو ميناء وادي القرى الرئيس على البحر الاحمر خلال القرون الاولى للهجرة .(1)
وكثيرا مايرتبط اسم (بدا) بالأدب العربي باسم( شغب) القرية المعروفة والتي تقع الى الشمال منها وذلك لقربهما ووقوعهما على طريق الحج والقوافل العابرة قديماً بالاضافة الى انهما تعتبران من اقدم مناهل الماء العذب التي يقطنها العرب للسكن
والرعي والزراعة .(2)
وللحب العذري وقصائد العشاق معهما أخبار تروى وأبيات تتلى فهذا جميل بن معمر العذري القضاعي(ت82هـ) صاحب بثينة ينشد:

ولا ببراق قد تيممت فاعترف=لما أنت لاق أو تنكب عن الركب
ولكثير عزه (ت105هـ):

وأنت التي حببت شغباً إلى بدا=إلي واوطاني بلاد سواهما
إذا ذرفت عيناي أعتل بالقذى=وعزةَ لو يدري الطبيب قذاهما
وحلت بهذا حلة ثم أصبحت=بأخرى فطاب الواديان كلاهما
فلو تذريان الدمع منذ استهلتا=على اثر جازي نعمة لجزاهما

ويذكر ان بقرية بدا كان سكن نبي الله يعقوب عليه السلام وقد اورد ذلك العديد من العديد من المصادر قديما وحديثا فقد ذكر الرحالة والمتستشرق الانجليزي ريتشارد بيرتون (ت 1890م) الذي زارها في سنة1877م في كتابة ارض مدين(The Land of Midian) انها احد مراكز التعدين والتجارة والزراعة في بلاد الانباط في التاريخ القديم وان الإغريق يسمونها بداييس ويسميها الرومان باداناثا والجغرافيون العرب بدا يعقوب . ووجدت في تفسير القرطبي رحمه الله مايوئد سكن يعقوب عليه السلام بها ايام فراق ابنه يوسف عليه السلام وذهابه لمصر منها بعد ان اتاه البشيرفقد ورد في تفسير قوله تعالى (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنْ السِّجْن وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ الْبَدْو)(3)
ُرْوَى أَنَّ مَسْكَن يَعْقُوب كَانَ بِأَرْضِ كَنْعَان , وَكَانُوا أَهْل مَوَاشٍ وَبَرِّيَّة ; وَقِيلَ : كَانَ يَعْقُوب تَحُول إِلَى بَادِيَة وَسَكَنَهَا , وَأَنَّ اللَّه لَمْ يَبْعَث نَبِيًّا مِنْ أَهْل الْبَادِيَة . وَقِيلَ : إِنَّهُ كَانَ خَرَجَ إِلَى بَدَا , وَهُوَ مَوْضِع ; وَإِيَّاهُ عَنَى جَمِيل بِقَوْلِهِ : وَأَنْتِ الَّتِي حَبَّبْت شَغْبًا إِلَى بَدَا إِلَيَّ وَأَوْطَانِي بِلَاد سِوَاهُمَا وَلِيَعْقُوب بِهَذَا الْمَوْضِع مَسْجِد تَحْت جَبَل . يُقَال : بَدَا الْقَوْم بَدْوًا إِذَا أَتَوْا بَدَا , كَمَا يُقَال : غَارُوا غَوْرًا أَيْ أَتَوْا الْغَوْر ; وَالْمَعْنَى : وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ مَكَان بَدَا ; ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ , وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ عَنْ الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس .كما ورد في تفسير ابن كثير(وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنْ السِّجْن وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ الْبَدْو) " أَيْ الْبَادِيَة قَالَ اِبْن جُرَيْج وَغَيْره كَانُوا أَهْل بَادِيَة وَمَاشِيَة وَقَالَ كَانُوا يَسْكُنُونَ بِالْعَرَبَاتِ مِنْ أَرْض فِلَسْطِين مِنْ غَوْر الشَّام قَالَ وَبَعْض يَقُول كَانُوا بِالْأَوْلَاجِ (مِنْ نَاحِيَة شِغب أَسْفَل مِنْ حِسْمَى )وَكَانُوا أَصْحَاب بَادِيَة وَشَاءٍ وَإِبِل.
قلت: ذكرت بدا قديماً ضمن بلاد الشام فقد ذكر الأصمعي (ت 216هـ)في كتابه " جزيرة العرب " :الحجاز اثنتا عشرة دارا : ( المدينة , وخيبر , وفدك , وذو المروة , ودار بلي , ودار أشجع , ودار مزينة , ودار جهينة , ونفر من هوازن , وجل سليم , وجل هلال , وظهر حرة ليلى , ومما يلي الشام شغب وبدا ) .وورد في لسان العرب لابن منظور(ت711هـ):وشغب موضع بين المدينة والشام وفي حديث الزهري أنه كان له مال بشغب وبدا هما موضعان بالشام .
ونعود لذكر المراجع التي تذكرها ببدا يعقوب فقد جاء في كتاب أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم للمقدسي البشاري(ت390هـ) ذكرها كمنزلة من منازل طريق الحاج المصري الداخلي باسم بدا يعقوب:فإن أردت جادة مصر فخذ من المروة إلى السقيا ثم إلى بدا يعقوب ثلاثاً تم إلى العونيد مرحلة.وكذلك ذكرها ابو عبيد البكري (ت487هـ)في كتابه المسالك والممالك فقال:الطريق من مدينة النبي صلى الله عليه وسلم الى مصر على الجادة من المدينة الى ذي خشب الى السويداء الى البزوة الى سقيا يزيد الى بدا يعقوب عليه السلام الى ضباء الى النبك والصلا الى عينونة الى مدين الى اشراف البغل الى وادي الغراب الى حقل الى مدينة ايله الى بطن نخر الى قبر ابي حميد وهو وادي القباب الى القلزم الى جب عميره الى مصر .وكذلك ذكرها باسم بدا يعقوب صاحب معجم البلدان ياقوت الحموي (ت623هـ)فقال عند ذكر شغب :وقيل شغبى وبدا موضعان بين المدينة وأيلة وقيل هي قرية الزهري محمد بن شهاب وبها قبره بأرض الحجاز من بدا يعقوب إليها مرحلة وقيل شغب المذكورة بعد هذا هي ضيعة الزهري (يقصد امام الحديث ابو شهاب الزهري المتوفي في شغب سنة 124هـ وقبره بها .وذكر القزويني (ت682هـ)في اثار البلاد واخبار العباد:بداً قرية بتهامة على ساحل البحر مما يلي الشام وهي قرية يعقوب النبي عليه السلام كان بها مسكنه في أيام فراق يوسف عليه السلام ويقال لهذه القرية بيت الأحزان لأن يعقوب كان بها حزيناً مدة طويلة ومنها سار إلى مصر إلى يوسف عليه السلام‏.‏ فجاءت الفرنج في زمن الملك صلاح الدين يوسف بن أيوب وقد عمروها وجعلوا لها حصناً حصيناً قال بعض الشعراء‏:‏

هلاك فرنجٍ أتى عاجلاً=وقد آن تكسير صلبانها

ولو لم يكن حينها قد أنى=لما عمرت بيت أحزانها
وكان الأمر كما قال الشاعر‏.‏ قصدها الملك صلاح الدين وفتحها وخربها وكسر صلبانها‏.‏
قلت : بالنسبة لما ذكر القزويني من احتلال الفرنجة وتحرير صلاح الدين لها فلم اجد مايشير لذلك فيما قراءت بالاضافة الى عدم وجود اي اثر للحصن الحصين الذي ذكره او موروث شعبي يؤيد قصةالاحتلال .والاصح في نظري ماذكر ابن الاثير وابن كثير في تاريخهما ان البلدة التي عمرها الفرنجة وبنوا بها الحصن الحصين تقع في بلاد الشام مابين دمشق والساحل وسميت بمخاضة الاحزان-وسميت معركة تحريرها بهذا الاسم - لسكن يعقوب بها بعد فراق ابنه يوسف عليهما السلام .هذا والله اعلم واحكم .

================================================== =========
* الخريطة من كتاب (الأثار الأسلامية في شمال غرب المملكة) د.على الغبان
(1)بتصرف مقال د.حياة بنت عبدالله
(2) بتصرف مقال نشر بمجلة مقناص للشيخ د.عبدالله صبيح القريد البلوي
(3)سورة يوسف الاية رقم 100