الشروط التسعة لقيادة المرأة السيارة



بقلم خالص جلبي

تتراوح النكتة في أوضاع البلاد العربية بين ثورية ومحافظة، مع الاشتراك في الإكراه والإكراه، فهناك يحقق في قضايا لا تستحق أن تكون قضية ينظر فيها ، وهنا محظر على المرأة قيادة السيارة إلا بتسع شروط!

ففي بلد ثوري عربي تم الإفساح عن تسعين مهنة ومساحة، كانت من اختصاص المخابرات، مثل دفن الميت وحفلة الزواج وفتح نادي بيلياردو ومطعم شاورما ودخول الدراسات العليا؟

كانت كل المهن السابقة مشروط ممارستها بأخذ ترخيص مسبق من المخابرات حسب الاختصاص، من المخابرات النهرية أو البحرية، فرع 273 من الحلبوني لصالح المخابرات العامة، أو الفرع الداخلي من النقري، أو فرع فلسطين بدون أي علاقة بالقدس ويافا..

وهو أمر تفاجأت به أنا شخصيا، حين قدم لي المحقق من الأمن السياسي مع صورتي، وأنا شاب في السابعة عشر من العمر بدون شوارب، وبعدها استغرابه كيف تمكنت من دخول الدراسات العليا قبل أربعين سنة؟

وكان قد تم استدعائي لأن امرأة طلقها زوجها؛ فكتبت تقريرا بحق ثلاثين من العباد، أنهم كانوا يتآمرون ضد الرفيق القائد قبل ُثلاثين سنة، فمنهم من جلد وحبس، ومنهم من ضرب وأهين، أو كسر ذراعه وتحطم نابه، وأحسنهم حظا كنت أنا؛ فبقيت على أبوابهم سبع عشرة يوما حسوما، في كل إجازتي التي كانت مخصصة للراحة؛ فتحولت نصبا وعذاب.

أما صديقي الدكتور ملص، اختصاصي أمراض النسائية، وحامل الجنسية الألمانية، فقد أقسم بعشتروت وماروت وهاروت، أن لا يبق لحظة واحدة في البلد بعد الحبس، بعد أن تحول الوطن إلى حبس كبير، يضم مواطنا مسكينا ويتيما وأسيرا.. .

ومقابل هذه النكتة التي لا تضحك أحدا، أخبرني الشاب النبيه فيصل، أن الصيف سيكون موسم السماح للمرأة بقيادة السيارة، كما لو قيل مسموح للدماغ أن يفكر، والفم أن يبلع، والجلد أن يتعرق، وهكذا فنحن نبحث في البديهيات الطبيعية على أنها محرمات من الله، فنفتري على الله الكذب....

قال لي؛ ولكن لن يسمح لأي واحدة، بل لابد من توفر تسع شروط؛ مثل أن يكون عمرها بين الثلاثين والتسعين؟ وأن لا تبتعد عن بيتها أكثر من تسعين كيلومتر. وأن لا تقود بعد الساعة التاسعة ليلا، أو قبل السادسة صباحا، ما يذكر بحظر التجول في مناطق الحروب الأهلية في رواندا. وأن لا تكشف عن وجهها إلا في ثقوب مجهرية تكفي لدخول الضوء. وأن تحمل موبايل من نوع خاص. وأن لا تسوق إلا سيارات رباعية الدفع ودفعة أول سنة. وأن لا تصلح إطارا نزل، أو أنبوبا خر، وعادما اهتريء، وكارباراتورا انسد، بل أن تتصل بقوة خفر السواحل، أو الطواريء النسائية، فتخلق مهنا من مهن، أثقالا فوق أثقالهم..

قلت هؤلاء الملاعين، الذين اقترحوا هذه الشروط، لكسر السحر الاجتماعي، فكروا جيدا وضربوا ضربتهم، فهم يريدون أن يبدأوا من مساحة رمادية لزحزحة الحرام، وتحويله إلى حلال، تحت أي شرط تعجيزي، وكسر الشروط يأتي مع الشروط.

بكلمة أخرى حين يسمح للمرأة أن تسوق السيارة، ولو كانت في أي وضع وشرط، فهو سيقود لاحقا لكسر السحر في هذا الموضوع.. والتخلص من كثير من الشروط..

وقصة مساحة المحرمات في العالم العربي، بين النموذج الثوري والمحافظ، يجعلنا نفهم أن الفروق ليست كبيرة، وأن قلوبهم تشابهت، وأن سنة الإكراه واحدة، وأن بين المرأة والضوء ليالي كثيرة..

مع هذا فقانون التاريخ يقول أن الزبد يهذب جفاء وما ينفع الناس يمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال..