عرض مشاركة واحدة
قديم 11-24-2013, 11:33 PM رقم المشاركة : 14 (permalink)
القلعة
المدير العام
 
الصورة الرمزية القلعة





القلعة غير متواجد حاليآ بالمنتدى

افتراضي

كلمات وإشارات-4-

عبد القادر زمامة

العدد 301 جمادى 1-جمادى 2 1414/ نونبر-دجنبر 1993



10- كتاب لا ينسى...
من الكتب والآثار والأدبية بالخصوصية مالها إشعاعات محدودة لا تعدو الجيل والجيلين، لأنها تصور واقعا، وتعالج قضية، وتؤدي رسالة، وتبعث روحا، ويومن صاحبها بمبدأ.
وكتاب «حديث عيسى بن هشام» من النوع الثاني الذي تستمر إشعاعاته عبر أجيال، وذلك لسببين:
الأول: إنه يكون شكلا ومضمونا الحلقة الوسطى بين «المقامة» و«المقالة» في الأدب العربي لحديث.
الثاني: أنه يكون المرآة الأولى التي انعكست على صفحتها نتائج ومظاهر زحف حضارة دخيلة على حضارة أصيلة، تحاول تهميشها وتمزيقها، وتزييف عناصر القوة والعطاء فيها، وجعل أهلها في شك من جدواها...!
ومؤلف الكتاب محمد المويلحي المتوفى سنة 1930م، أشهر من أن يعرف به، فقد شرق وغرب، وأعرب وأعجم، ومن أشهر تلامذته المعترفين بفضله: عباس محمود العقاد، وعبد العزيز البشري.
وقد كان هذا الكتاب عبارة عن مقالات ظهرت أولا في جريدة: «مصباح الشرق» التي كان والده يصدرها، ثم جمعها وأعطاها هذا الإسم: «حديث عيسى بن هشام» أو «فترة من الزمن»، وأهدى كتابه إلى الأقطاب الأربعة المشهورين في عصره:
- جمال الدين الأفغاني.
- محمد عبده.
- الشنقيطي اللغوي.
- الشاعر البارودي.
والمويلحي ذو أفكار إصلاحية متفتحة، ولكنها ملتزمة بالفضيلة، والأصالة، ومعطيات الحضارة الإسلامية.. مع الاستفادة من كل جديد لا يحجب مقومات المجتمع المسلم، والأخلاق والآداب الإسلامية، وقد جعل من فضول كتابه لقاء بين الحقيقة والخيال، والجديد والقديم والحق والباطل، والجواهر الثابتة، والأمراض الزائفة !.. وثقافته في اللغة العربية واللغات الأجنبية جعلته يطلع على نماذج شتى من النقد السياسي والاجتماعي، وعلى الأعاصر التي تحل بالمجتمعات البشرية حينما تتنازعها المبادئ والمصالح، وتختلط فيها الأوراق...
في هذا الإطار من المعرفة والتجربة تغلغل المويلحي في الموافق الاجتماعية لبلاده، وما حل بها من زيف، وتلاعب ونفاق وسوء تدبير، وتصور معكوس للثقافة والحضارة والرقي، وإهدار للحرمات والعادات.
والمويلحي يصور قبل أن ينتقد، ويحاول الإصلاح والبناء قبل الإفساد والهدم، ويخاطب العقل والوجدان قبل أن يخاطب المصالح الشخصية والأهواء البشرية.
والملاحظ أن المويلحي تلميذ وفي لأستاذه الشاعر المفكر أبي العلاء المعري يتفق معه في عدة أفكار فلسفية، واجتماعية، وانتقادية، ويظهر ذلك بأجلى وضوح في وفرة استشهاداته الشعرية بأبيات المعري، ولا سيما منها ما جاء في «اللزوميات» و«سقط الرند».
ولعل في هذه الصحبة بين المويلحي والشاعر أبي العلاء المعري ما يفسر لنا بعض الملابسات التي نجدها من حين لآخر في أحكام وأقوال وانتقادات صاحب «حديث عيسى بن هشام». كما نجدها في بعض تصرفاته وملابساته وملازمته الحذر والعزلة آخر حياته الحافلة.
وقد عاصر المويلحي حقبة حافلة من تاريخ مصر في العصر الحديث بتقلباتها وتناقضاتها أواخر القرن التاسع عشر، والثلث الأول من القرن العشرين، واتصل بعدة شخصيات داخل بلاده وخارجها، ورحل إلى عدة أقطار أوربية، وعرف من المعالم الحضارية ما جعله يقارن بين الأشياء التي تمر أمامه، ويعطي كلا منها ما يستحق من الاهتمام.
ولقد عرف الساهرون على التربية والتعليم لكتاب «حديث عيسى بن هشام» قيمته الأدبية واللغوية والتعليمية والاجتماعية، مع تربية ملكة النقد النافع، فجعلوه من الكتب المقررة في بعض مراحل التعليم الثانوي، ولمدة عقود من السنين، وترك ذلك أصداء في مجالات مختلفة وميادين متنوعة من الأقطار وإلى الأمس القريب.
وإذا كان المويلحي صديقا لأبي العلاء المعري، وفلسفته ومضامين أفكاره الواردة في شعره، فإنه إلى جانب ذلك صديق معجب ببديع الزمان الهمداني صاحب المقامات، لا سيما والمويلحي في عصره يكون – كما قلنا – بعمله في «حديث عيسى بن هشام» الحلقة الوسطى بين فن المقامة وفن المقالة.
وقد شاء المويلحي أن يجعل من رواية بديع الزمان في مقاماته «حديث عيسى بن هشام» رواية له أيضا في كتابه هذا، وينسب إليه كل ما جاء في كتابه: «حديث عيسى بن هشام»، الذي أودعه كل ما جاش به خاطره من تساؤلات وانتقادات.


 





  رد مع اقتباس
 

SEO by vBSEO 3.3.0