الأديب والسياسي والصحفي والناشر إبراهيم المويلحي (أصغر باشا في تاريخ مصر)، سليل
وكلاء المويلح الأشراف، كثيرا ما لقبته المصادر العامة برتبة "بك" التي حصل عليها
من مصر وأصبح بموجبها "صاحب السعادة" بالعربية و "سعادتلو" بالتركية. لكن رتبته
تجاوزت هذا المستوى، فقد منحه السلطان العثماني عبد الحميد الثاني في 5 محرم 1311
(سنة 1869ميلادية) رتبة "باشا" (مثله كمثل حاكم مصر) وكان لقبه بموجبها "صاحب
المعالي"، وكان بذلك أصغر من حصل على هذه الرتبة، إذ كان عمره آنذاك 25 سنة ( أما
مصطفى كامل باشا، الوطني المصري الذي تدعي كتب التاريخ أنه أصغر باشا في تاريخ مصر،
فقد حصل على هذه الرتبة وهو في الثلاثين من عمره، بل وحصل عليها من مصر، لا من السلطنة
العثمانية). وفي عام 1900 حصل إبراهيم المويلحي من السلطان العثماني نفسه على أعلى
رتبة مدنية وهي "بك أفندي" وكان يلقب بموجبها "صاحب العطوفة" بالعربية و"عطوفتلو"
بالتركية.
وتذكر بعض المصادر العامة أن إبراهيم ولد في عام 1846. وهذا التاريخ ينافي الحقيقة،
لأن إبراهيم رزق بابنه الأول محمد في عام 1858 ولا يعقل أن يكون إبراهيم قد تزوج
وهو في الحادية عشرة من عمره وأنجب وهو في الثانية عشرة.
وبعض الأدباء والنقاد يسمونه إبراهيم المويلحي "الكبير" مع أن إبراهيم الكبير هو جده
الذي كان أول مولود في مصر من أفراد أسرة وكيل المويلح، و"سار تجار" مصر، ووارث وكالة
الحرير التي أنشأها والده أحمد، ومورد كسوة الكعبة. وللتفرقة بين الابراهيمين في
أسرتنا نسمي الأول "الكبير" والثاني "الباشا". بل ولدينا إبراهيم ثالث أيضا (هو والدي،
حفيد الباشا) ويعرف بأنه إبراهيم "الحفيد". أما رابع ابراهيم فهو ابني الأول.
في ما يخص التعليم ذكر بعض الكتاب أن إبراهيم (باشا) تلقى تعليمه في الأزهر، وهذا خطأ
شائع لأن أخاه عبد السلام (باشا) المويلحي هو الذي نال قسطا من التعليم المدرسي، أما
إبراهيم فما درس في مدرسة قط، بل تعلم النحو والصرف والشعر وهو طفل في السادسة على يد
عطار كان له حانوت قبالة وكالة الحرير التي كان يملكها والده عبد الخالق المويلحي.
وكانت رغبة هذا الوالد أن يشتغل إبراهيم بالتجارة (بوصفه الابن الأكبر) وأن يحترف عبد
السلام الأدب ، ولم تتحقق هذه الرغبة.
وقد حفظ إبراهيم القرءان والتفسير إلى درجة استأهل معها عضوية مجلس الاستئناف المصري
في عام 1865 وأتقن البلاغة بما مكنه من إصدار عدة جرائد بالعربية في مصر وايطاليا
وفرنسا وبلجيكا وانجلترا. وكان يناهض الخلافة العثمانية تارة لتمسكه بالأصل العربي،
ويقف بجانبها تارة أخرى لمناصرتها ضد الاستعمار البريطاني وحفاظا على الأمة الإسلامية.
وقد زلزل إبراهيم عرش السلطان عبد الحميد بمقالات نشرها في جريدته "الاتحاد" التي
أصدرها في ايطاليا ثم في فرنسا في أوائل ثمانينات القرن التاسع عشر حتى ان السلطان عبد
الحميد الثاني طلب من سفيره في باريس التدخل لدى وزير الداخلية الفرنسي لطرد إبراهيم
من فرنسا. وقد لبى الوزير الفرنسي هذا الطلب وأرسل الشرطة لتصاحب إبراهيم إلى أن عبر
الحدود البلجيكية، ونشرت جريدة "فيجارو" الباريسية مقالا طويلا دفاعا عن إبراهيم في
عددها الصادر في 26 نوفمبر 1884.
هذه بعض الحقائق، وأرجو أن تتاح لي الفرصة للحديث بإسهاب عن هذا الكاتب والسياسي
والصحفي والناشر الذي نادى بوحدة الأمة وتعاون مع جمال الدين الأفغاني ومع الشيخ محمد
عبده في منفيهما، وعلم الملك أحمد فؤاد الأول العربية، وأنقذ الخديوي إسماعيل باشا من
البقاء في منفاه . وأرجو من الله سبحانه وتعالى أن يوفقني في رسالات لاحقة إلى شرح
تسلسل المويلحيين في مصر بالتواريخ الهجرية والميلادية حسب توافرها، والى شرح المزيد
عن طباع إبراهيم المويلحي وعن مناصبه ومواقفه وأبنائه، والى الرد على أي استفسارات.
خليل المويلحي
جينيف
16/5/2008